ورابعًا: أن حاجة المجتمعات تختلف فإذا لم يستطع بلد أن يطبق بعض أحكام الشريعة فثم مجتمعات تستطيع أن تطبقه، فيجب أن يكون الحكم الشرعي بينًا لا تختلط فيه صورة الأصل مع الضرورة.
(٢)
ومن يلتزم بهذه الشبهة سيقع في إشكال عميق مع قائمة طويلة من الأحكام الشرعية، وستطول عليه أساليب التأويل والتحريف والتغيير.
فالقضية ليست نصًا جزئيًا يمكن أن يتأول أو يكون ضعيفًا.
الإلزام أصل شرعي محكم يقوم على نصوص وأحكام وقواعد لا تحصر، وسأعدد سريعًا -لتوضيح حجم هذا الأصل- بعض هذه الأحكام:
- الحدود الشرعية، ففي القرآن حد السرقة {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨] وحد الزنا {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢] وفي السنة الصحيحة عقوبة شرب الخمر، فهذه ليست إلزامات فقط، بل عقوبات على هذه الجرائم، تعني تجريم الفعل وتحديد عقوبة معينة عليه، فهو إلزام بترك الفعل، وإلزام بعقاب معين، فهل نتعامل مع هذه الحدود على مبدأ {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}[النور: ٢] أم على مبدأ أن الإلزام يؤدي للنفاق؟
- وجوب تغيير المنكر بدرجاته الثلاث كما قال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه)(١) فالتغيير باليد يعني منعًا وإزالة، وهو إلزام على التزام أحكام الشريعة، بخطابٍ لعموم الناس وليس خاصًا فقط بالنظام، فهل الواجب تغيير المنكر أم هو داع للنفاق؟