فالإشكال ليس في (التطبيق) الذي سيجري في بلد معين من بلاد المسلمين حين يكون مراعيًا للأصول الشرعية في المصالح والمفاسد بل في حقيقة (التصور الشرعي).
حينئذٍ فلا معنى لما يكرره بعض الفضلاء من أن كثيرًا من العلماء لا يفقهون واقع تلك البلاد.
فأيًا ما كان مستوى فقه العلماء لذلك الواقع، لا علاقة لهذا بأساس الخلل.
القضية متعلقة بمفهوم شرعي، وليس بتطبيق معين في أي بلد، فالقضية علم بأحكام شرعية ثابتة وليس علم بواقع مجتمع معين.
وكون البلد يعاني من مشكلات معينة، ويجد الدعاة فيه إشكالات وصعوبات كثيرة، كل هذا لا يجيز تحريف الأحكام الشرعية أو تغيير مفاهيمها، فهذا دين وشرع من عند اللَّه، الحديث فيه توقيع عن اللَّه، وهو مزلق عظيم {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)} [الأعراف: ٣٣] فحاجة المجتمع والمتغيرات التي يعيشها ليست عذرًا لأحد في حذف شيء من الشريعة أو إدخال شيء فيها، والعناية بهذا الموضوع ليس ترفًا علميًا أو سجالًا جدليًا.
فهو أولًا: من بيان أحكام الشرع، وحفظ المفهوم الشرعي مطلب بحد ذاته.
وثانيًا: فوضوحه للناس سبب لأن يتمسكوا به ويطالبوا به حتى يستطيعوا تحكيمه فيما بعد.
وثالثًا: أن كونه ضرورة أو حاجة يقتضي معاملته وفق القواعد الشرعية لهذه الأبواب، فليس كل دعوى في هذا مقبولة، ولا كل اجتهادٍ فيها معتبر.