ولأن من اتصف بذلك، أشعر حاله بالتهاون بأمر الديانة، ومثله جدير بألا يخاف وبال الكذب، وضد من اتصف بهذا هو المعني بالمتوسط في الدين.
والمراد بالإدمان على الصغيرة: أن تكون الغالب من أفعاله، لا أن يفعلها أحيانًا، ثم يقلع عنها، فإن الإنسان لا يخلو من ذلك، ولهذا أشار الشافعي بقوله: ليس أحد من الناس نعلمه- إلا أن يكون قليلًا- يمحض الطاعة والمروءة [حتى لا يخلطها بمعصية، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطها بشيء من الطاعة والمروءة]، فإذا كان الأغلب على الرجل والأظهر من أمره المعصية، وخلاف المروءة- ردت شهادته.
وقد استدل لذلك القاضي أبو الطيب والماوردي وغيرهما بأن أفضل الناس الأنبياء- صلوات الله عليهم وسلامه- وقد قال تعالى:{وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه:١٢١]، {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ}[ص:٢٤]، {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}[يوسف:٢٤]، وقال تعالى- حكاية عن يونس- عليه السلام-: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧].
وروى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم [قال:]((ليس منا معاشر الأنبياء إلا من عصى أو هم بمعصية، إلا أخي يحيي بن زكريا)).