قال أبو علي في (الإفصاح)): أراد إبليس- لعنه الله- أن يخطئ يحيي، فطلب إناء فيه ماء يعلمه يحيي من غير أن يشعر به، ثم تصور له، وقال: ما في هذا الإناء؟ فقال: كان فيه ماء.
وإذا كان شأن الأنبياء، فما ظنك بمن دونهم؟! وقد قال تعالى {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المؤمنون:١٠٢]، فأناط الفلاح بالأغلب.
لكن الإدمان على الصغيرة، السالب للعدالة، هو المداومة على نوع من الصغائر، [أو الإكثار] من الصغائر، سواء كانت من نوع واحد، أو من أنواع مختلفة؟
قال الرافعي: منهم من يفهم كلامه الأول، ومنهم من يفهم كلامه الثاني، ويوافقه قول الجمهور: من تغلب معاصيه طاعاته، كان من ذوي الشهادة.
ولفظ الشافعي في ((المختصر)) قريب منه، وإذا قلنا به لم تضر المداومة على نوع واحد من الصغائر إذا غلبت الطاعات، وعلى الاحتمال الأول تضر، وهو الذي يقتضيه كلام الشيخ.
تنبيه: ما المراد بالكبيرة المؤثر فعلها في العدالة، والصغيرة المعتبر في تأثيرها [في] العدالة الإصرار أو الإدمان عليها؟
قال البغوي: الكبيرة: هي المعصية الموجبة للحد.
وقال غيره: هي المعصية التي يلحق صاحبها الوعد الشديد بنص كتاب أو سنة.
وقال الماوردي: هي ما وجب فيها الحد، أو توجه إليها الوعيد.
وقد يفهم هذا اللفظ مغايرة بينه وبين اللفظ قبله، لأن هذا يقتضي أن ما توعد عليه بالنص أو بالظاهر كبيرة، دون اللفظ الأول.
وقال القاضي أبو سعد: هي كل فعل نص الكتاب على تحريمه، وكل معصية توجب في جنسها حدًا من حبس أو غيره، وترك كل فريضة مأمور بها على الفور، والكذب في الشهادة والرواية واليمين.