وهذا إذا أطلق الشهادة، فلو أتى بها مفصلة، ووصف المكان والزمان، وتأنق في ذكر الأوصاف- قال الإمام: فالشافعي قد يقبلها، فإنه إذا فصلها وهو عدل، لا يظن به اعتماد الكذب، وهذا ما أورده الفوراني والمسعودي والغزالي.
وضد ما ذكره الشيخ من مبتدأ قوله:((ولا يقبل من عبد ...)) إلى هنا، هو المعنى بالتوسط في الأحكام.
قال: ولا تقبل من صاحب كبيرة، ولا [من] مدمن على صغيرة، لقوله تعالى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات:٦]، وقوله تعالى:{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ}[السجدة:١٨]، ومن اتصف بما ذكرناه فاسق، فوجب ألا يعتمد على قوله، ولا يساوي به العدل في قبول قوله، لما ذكرناه.
وإنما قلنا: إنه فاسق، لأن الفاسق في اللغة مأخوذ من الخروج عن الشيء، يقال: فسقت الرطبة، أي: خرجت من قشرها، وسمي الغراب: فاسقًا، لخروجه من مألفه، وسميت الفأرة: فويسقة، لخروجها من جحرها.
و [هو] في الشرع: حقيقة- كما قال الماودري- فيمن كان مسخوط الدين والطريقة، لخروجه عن الاعتدال.
ومن اتصف بما ذكرناه كذلك.
ولقولهصلّى الله عليه وسلّم:((لا تقبل شهادة خائنٍ [ولا خائنة])).
قال أبو عبيدة: لم يخص الخائن في أمانات الناس، بل كل من ضيع شيئًا مما أمره الله تعالى به، أو ارتكب شيئًا مما نهاه الله تعالى عنه- لا يكون عدلًا، لأنه قد لزمه اسم الخيانة، كذا حكاه في ((البحر)) عنه عند الكلام في رد شهادة العدو.