قال: فإن لم يأت بالجرح، أي: في المدة المضروبة له- كان للمدعي أن يطالب بالحق؛ لتعين حقه وعدم المانع منه، قال ابن يونس: ويجب على القاضي الحكم.
وإن بقيت الريبة، وكذا لو روجعوا في بيان مكان التحمل وزمانه، فقالوا: لا يذكر المكان والزمان، ولكنا نتحقق ما شهدنا به- فليس للقاضي- والحالة هذه- أن يجبرهم على التعرض لذلك. ولكن لو بقيت ريبة القاضي وازداد ارتياباً من إصرار الشهود على ما يراجعون فيه- قال الإمام: فللقاضي أن يبحث عن جهات أخر؛ فعساه أني طلع على مطعن، فإن لم يمكن، تحتم عليه إمضاء القضاء، مع انطوائه على الريبة لقيام البينة العادلة.
وفي "تعليق" القاضي الحسين في باب الشهادة على الشهادة: أن الأولى أن يبين المدعي والشهود السبب في الدعوى والشهادة، فإن ارتاب القاضي بحال الشهود طلب منهم أن يبينوا السبب، فإن امتنعوا عنه فوقعت له ريبة بهم رد شهادتهم، وإن لم يقع له ريبة بامتناعهم عن ذكر السبب لم يجز له أن يرد شهادتهم.
أما إذا كان الشهود وافري العقول، فقهاء، حسناً ظاهرهم، فلا يفرقهم؛ لأن في ذلك تهمة لهم وطعناً فيهم، وعليه يدل ما سنذكره من النص.
قال القاضي أبو الطيب: حكي أن رجلاً شهد عند أبي عمر القاضي ببيع بستان، فقال له: كم نخلة في البستان؟ فقال: لا أشك في أن القاضي أعلم بداره مني بالبستان، فقال:[له]: نعم، فقال:[له]: كم جذعاً في دارك؟! فسكت عنه وحكم بشهادته؛ لما ظهر له من وفور عقله وشدة تحصيله.
وروي أن رجلاً شهد عند علي بن عيسى، فقال له: أين شهدت؟ فقال [له]: في فضاء وسعني ووسع المشهود له والمشهود عليه، فقبل شهادته.