قال الأصحاب: ولا يدع من سأله منهم أن يرجع إلى أصحابه قبل أن يسألهم؛ لاحتمال أن يعيد عليهم ما قاله فيوافقوه فيه.
قال: فإن اتفقوا وعظهم وخوفهم بالله- تعالى-[أي]: فيقولك شهادة الزور من أكبر الكبائر، وقد توعد الله- تعالى- عليها، [وروي] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الطَّيْرَ لَتَخْفِقُ بِأَجْنِحَتِهَا بِمَا فِي حَوَاصِلِهَا مِنْ هَوْلِ [ذَلِكَ] اليَوْمِ، وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّوْرِ لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى يَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، وَرُوِيَ:"حَتَّى يُوْجِبَ النَّارَ"، ويقول لهم بعد ذلك: فإن صدقتم فاثبتوا، وإن كذبتم فغطوا رءوسكم وانصرفوا.
قال: فإن ثبتوا، استحب أن يقول للمدعى عليه: شهد عليك فلان وفلان، وقد قبلت شهادتهما، وقد مكنتك من جرحهما، أي: إن كان لا يعلم أن له الجرح؛ لأن في ذلك تنبيهاً له على حفظ حقه وانتفاء التهمة عنه، أما إذا علم أن له ذلك، قال في "المهذب" و"التهذيب" قبيل كتاب الدعاوى: فله أن يقول ذلك، وله أن يسكت.
قلت: ويظهر أن يجيء فيه ما حكيناه في قول القاضي للمدعي بعد إنكار الخصم: ألك بينة؟
قال: فإن قال: لي بينة بالجرح، أمهل؛ لأن عمر- رضي الله عنه- كتب إلى [أبي] موسى: اجعل لمن ادعى حقّاً غائباً- أمداً ينتهي إليه.
قال: ثلاثة أيام، أي: فما دونها على حسب ما يراه؛ لأنها مدة قريبة.
قال: وللمدعي ملازمته إلى أن يثبت الجرح؛ لثبوت حقه في الظاهر.