وفي "الحاوي" وجه آخر: أنه ليس له إحلافه؛ لأن مقصود المدعي إثبات الحق دون إسقاطه، ويمكن إثباته بالبينة، وقد نسبه الرافعي في كتاب الدعاوى إلى "فتاوى" القفال.
قال: فإن شهدوا؛ أي: بطلب المدعي، فإن كانوا فساقاً؛ أي: عند القاضي إما لعلمه بذلك أول قيام البينة به- قال للمدعي: زدني في الشهود؛ تحسباً للرد.
ثم ظاهر كلام الشيخ يدل على أنه يصغي لسماع شهادتهم وإن علم فسقهم قبل الأداء، وقد يوجه بأنه لو منعهم من إقامة الشهادة لكان ذلك هتكاً للستر، وإذا تحملنا في الرد لأجل ذلك، فكذلك نتحمل في الإصغاء [لأجله].
وقد جزم القاضي الحسين بأنه لا يصغي إليهم إذا تحقق فسقهم؛ لأنه إذا اشتغل بما لا يعنيه شغله عما يعنيه.
وقال الإمام في باب علم الحاكم بحال من قضى بشهادته بعد حكاية ذلك أيضاً: وقد قدمت من قبل تردداً في ذلك، والقياس أنه لا يصغي إلى من يعلم أنه مردود؛ فالوجه أن يقدم النذير إلى من يريد الإقدام على الشهادة من هؤلاء؛ حتى لا يتعرضوا، فإن فعلوا فهم الذين هتكوا أستار أنفسهم.
ثم المسألة مصورة بما إذا كان الفاسق متكاتماً، والقاضي لا يرى قبول شهادته، أما المعلن بالفسق فلا ينبغي أن يصغي إلى شهادته كالعبد، إلا أن يصح مذهب في قبول شهادة المعلن، ويرى القاضي أن يصغي ليقبل؛ فلا معترض عليه في مجتهد فيه. كذا قاله الإمام، وقال قبل باب الشهادة على الشهادة: إن الشيخ أبا محمد قطع بأنه لا يصغي إلى شهادة المعلن بالفسق، وإن بعض أصحابنا ذهب إلى أنه يصغي إليها، ثم يردها، قال: وهذا بعيد عن قياسنا. وهذا هو التردد الذي أشار إليه، وأصل هذا: أنه لا يصغي إلى شهادة الكافر والصبي والعبد إذا عرف حالهم جزماً؛ كما ذكره القاضي الحسين وغيره، ويرشد إليه قول الشافعي- رضي الله عنه- في "المختصر": وإذا شهد صبي أو نصراني أو عبد فلا يسمعها، واستماعه لها تكلف.