وفي "الحاوي" في باب الامتناع من اليمين حكاية وجه آخر في أصل المسألة: أنها لا تسمع مطلقاً، وقال:[إنه لا وجه][له]؛ للفرق الذي ذكره صاحب الوجه الثاني؛ لأنه إن لم يجهل فعله في وقته فقد ينساه. ولا خلاف أنه لو قال بعد شهادة الشهود: بينتي كاذبة، أو: شهدوا بالزور- لا تقبل بينته، وهل تبطل دعواه؟ فيه وجهان، أصحهما: لا. ولو قال: بينتي فسقة أو عبيد، ثم أتى ببينة بعد ذلك في مدة يحصل في مثلها الاستبراء والعتق- قبلت، قاله البغوي وشيخه.
وفي "الإشراف" أنه لو قال: كل بينة لي بعد اليمين أو قبلها هي بينة زور أو كاذبة، ثم أقامها- قبلت على النص؛ لأنه يجوز ألا يعرفها أصلاً، وقال بعض أصحابنا: لا تقبل؛ لأنه سبق منه تكذيبها.
قال: ونظيرها ما لو قال المشتري للبائع: بع دارك هذه مني بكذا فإنها ملكك، فاشتراها، [ثم] قامت بينة على الاستحقاق- لم يرجع على البائع بالثمن على رأي ابن سريج، وفيه وجه: أنه يرجع؛ كما لو اشترى شراء مطلقاً، ونظيرها أيضاً ما إذا قال: أودعتني، وأقام بينة أنها هلكت قبل الجحود، وقد حكيناهما في باب المرابحة.
قال: فإن حضرت بينة لم يطالب بإقامتها؛ أي: وله طلب يمين الخصم؛ لأن له في ذلك غرضين:
[أحدهما: أنه] ربما ينزجر عن الحلف؛ فيقر بالحق، ويستغني عن إقامة البينة.
والثاني: أنه إذا حلفه وأقام [عليه] البينة تبين كذبه.