"البَيِّنَةُ العَادِلَةُ خَيْرٌ مِنَ اليَمِيْنِ"، ولأن البينة حجة كالإقرار، ولو أقر بعد حلفه أو نكول المدعي حكم عليه؛ فكذلك يكون حكم البينة، ولو كان المدعي قد قال: لا بينة لي، [فقد][قال] القاضي أبو الطيب: ظاهر مذهب الشافعي السماع، واختلف أصحابنا فيه:
فمنهم من قال به، وهو الأصح، وبه جزم القاضي الحسين [والإمام] وصاحب "التهذيب"، وقال الماوردي في باب الامتناع من اليمين: إنه قول جمهور أصحاب الشافعي؛ كما لو قال: لا بينة لي حاضرة، ولأنه ربما [لم] يعلم [بعد] أن له بينة، وأيضاً فقوله: لا بينة لي، يحتمل أنه أراد: حاضرة.
ومنهم من قال: إن كان قد تولى هذه الشهادة بنفسه [لأنه تولى العقد بنفسه]، ثم أنكرها وأقامها بعد ذلك- لم يسمع. وإن لم يكن تولاها، وتولاها وكيله ولم يعلم هو بها، أو كان وارثاً لم يعلم بالشهادة، ثم أقامها- سمعت.
و [قد] حكى الرافعي أن البغوي حكى الوجهين- أيضاً- وهما جاريان- كما حكاهما المراوزة- فيما إذا قال: لا بينة لي حاضرة ولا غائبة، وادعى الغزالي والرافعي أن الأظهر منهما السماع أيضاً، وبه جزم في "الإشراف"، ونسبه الماوردي في باب ما على القاضي في الخصوم- إلى الإصطخري، وقال: إن الأكثرين على مقابله. وتبعه في "البحر" وقال: إنه قيل: [إن] ما قاله الإصطخري ظاهر المذهب.
وبهذا يحصل في المسألة ثلاثة أوجه؛ كما حكاها في "المهذب"، وطردها فيما إذا قال: كل بينة تشهد لي فهي كاذبة، وصحح القبول مطلقاً، وهو ما اختاره في "المرشد".