للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٣) درء المفاسد أولى من جلب المصالح

إذا تعارضت مفسدة ومصلحة، قُدم دفع المفسدة غالباً، لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، ولذلك جاء في الحديث" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" (١)

وفي النكاح السياحي مفاسد عظيمة، على مستوى الفتاة وأسرتها، وعلى مستوى المجتمع كله، كما أظهرتها الدراسات الميدانية (٢)، كما أنه خلا من المصالح المعتبرة شرعاً، إلا ما يذكره البعض من تخفيف معاناة العزوبة، في الغربة عن الأهل والوطن، وما قد يحقق من تحصين مؤقت للغريب في بلاد الشهوات؛ وفي ذلك القول بعض الوجاهة، أما إن كان هذا الناكح في بلده، أو في بلاد تقل فيها الإغراءات والمفسِدات، أو تكون فترة مكوثه يسيرةً في ذلك البلد، كما هي عادة السياح، إذا كان الأمر كذلك فلا أرى في ذلك القول أي وجاهة؛ وعلى الأول نقول: إن دفع المفاسد الناتجة عن هذا النكاح، التي يدفع ثمنها المجتمع، وأولهم الفتاة، المغرر عليها، مقدَّم على جلب مصلحة الناكح، ويُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام.

(٤) تحريم الغش والتدليس وأنواع الغرر

إن المصلحة المشتركة واحترام الآخر، وسد أبواب العداوة والبغضاء، ركيزة هامة، أولاها الإسلام عناية خاصة، وحرم لذلك كثيراً من البيوع التي كانت في الجاهلية، والتي تكون عاقبتها، الخديعة والغبن، فمنها مثلاً بيع حَبَل الحَبَلة، وبيع ما لم يخلق، وبيع الثمار حتى تزهو، وبيع الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، وكذا نهى عن المعاومة (٣)؛ وقرر قاعدة عظيمة، وقانوناً عاماً، حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: " من غشنا فليس منا" (٤)، ومعلوم ما ينتج عن الغش،


(١) أخرجه البخاري في كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة ٦/ ٢٦٥٨ برقم ٦٨٥٨، ومسلم في كتاب الحج ٢/ ٧٩٥ برقم ١٣٣٧.
(٢) راجع المطلب الرابع من هذا المبحث.
(٣) انظر بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تأليف الإمام القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الحفيد، المولود سنة ٥٢٠ هـ والمتوفى سنة ٥٩٥ هـ، تحقيق وتعليق وتخريج محمد صبحي حسن حلاق، ط، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الأولى بتأريخ ١٤١٥ هـ، ٣/ ٢٨٥ وما بعدها.
(٤) أخرجه أحمد في المسند من حديث ابن عمر ٩/ ١٢٢ برقم ٥١١٣، ومسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة كتاب ... الإيمان ١/ ٩٤ برقم ١٠٢، ، وأبي داوود في السنن ٣/ ٧٣١، برقم، ٣٤٥٢، والترمذي في السنن في كتاب البيوع وقال حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم ٣/ ٦٠٦ برقم ١٣١٥، , والحاكم في المستدرك في كتاب البيوع وقال حديث صحيح ووافقه الذهبي، ٢/ ٩، وغيرهم.

<<  <   >  >>