للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنها متضمنة للأمرين، فهي إخبارات عما في النفس من المعاني التي تدل على العقود وإنشاءات لحصول العقود في الخارج، فلفظها موجب لمعناها في الخارج وهي أخبار عما في النفس من تلك المعاني، ولا بد في صحتها من مطابقة خبرها لمخبرها، فإذا لم تكن تلك المعاني في النفس كانت خبراً كاذبا، وكانت بمنزلة قول المنافق أشهد أن محمداً رسول الله وبمنزلة قوله آمنت بالله وباليوم الآخر؛ وكذلك المحلل إذا قال تزوجت وهو لا يقصد التزوج المعني الذي جعله الله في الشرع، كان إخباراً كاذباً وإنشاء باطلاً فإنا نعلم أن هذه اللفظة لم توضع في الشرع، ولا في العرف، ولا في اللغة لمن قصد رد المطلقة إلى زوجها وليس له قصد في النكاح الذي وضعه الله بين عباده، وجعله سببا للمودة والرحمة بين الزوجين، وليس له قصد في توابعه حقيقة، ولا حكماً، فمن ليس له قصد في الصحبة، ولا في العشرة ولا في المصاهرة، ولا في الولد، ولا المواصلة، ولا المعاشرة ولا الإيواء؛ بل قصده أن يفارق لتعود إلى غيره؛ فالله جعل النكاح سببا للمواصلة والمصاحبة، والمحلل جعله سببا للمفارقة فإنه تزوج ليطلق، فهو مناقض لشرع الله ودينه وحكمته، فهو كاذب في قوله تزوجت بإظهاره خلاف ما في قلبه. (١) والنكاح السياحي (بنية الطلاق) نية الناكح فيه هي توقيت النكاح بمدة معلومة، أو مجهولة، فيكون الاعتبار لهذه النية، في تصحيح العقد، أو إبطاله إن علمنا بها، لا إلى صيغة العقد الشكلية.

(٢) الأصل في الأبضاع التحريم

الأبضاع هي الفروج، أي أن الأصل في وطئ الفروج الحرمة، وأن لا تباح إلا بعقد النكاح الصحيح، أو ملك اليمين، وقد قيل أن الأصل في النكاح، الحضر، وأبيح للضرورة، فإذا تقابل في المرأة الحل والحرمة، غلبت الحرمة (٢)؛ وعليه فإنه لا يجوز التحري في الفروج، لأنه يجوز في كل ما جاز للضرورة، والفروج لا تحل للضرورة (٣)، وهذا النكاح نكاح مختلف في صحته، والخلاف فيه شديد، وهذه القاعدة تقوي جانب المانعين، لأن الأصل معهم، وعلى مدعي خلافه إقامة الدليل الصحيح الناقل عن هذا الأصل.


(١) انظر إعلام الموقعين عن رب العالمين ٣/ ١١٩، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله المعروف بابن القيم
الناشر: دار الجيل - بيروت، ١٩٧٣ م، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد
(٢) انظر الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، تأليف الشيخ زين العابدين بن إباهيم بن نجيم، ط، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، تأريخ الطبع ١٤٠٠ هـ ١٩٨٠ م صـ ٦٧
(٣) انظر الوجيز في شرح القواعد الفقهية صـ ١٧٦

<<  <   >  >>