للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخديعة، من حقد وبغضاء في المجتمع، مما يؤدي إلى تناحر وتفكك أبناء المجتمع الواحد، ولذلك كانت المعاملات، والعقود التي تقوم على الغرر، والتدليس، منهياً عنها في ديننا الحنيف، بل جعلها بيوعاً فاسدة، سداً لأبواب التنازع والتناحر بين أفراد المجتمع، كما أنه حرص في بناء المجتمع المسلم على الحب، والإخاء، وسلامة الصدر.

ولنا أن نتصور هذا النكاح (السياحي) وما يحمل من غش وتدليس، بإيهام المرأة الضعيفة، بأن هذا النكاح نكاحٌ دائم، فيُسلب منها أعز ما تملك، وأغلى ما في حياتها، ثم بعد قضاء الوطر، ترمى في مجتمع لا رغبة له فيها، بعد أن سلبت بكارتها؛ وما ينعكس من عداوة وبغضاء بين أفراد المجتمع الواحد، والشعوب بشكل عام، ولو أظهر الرجل ما أبطن، وأعلن ما كتم، قبل العقد، لقلب له أولياء المرأة ظهر المجن، وأبوا أن يزوجوه، ولكنه أبى إلا الغش والتدليس، والإيهام والتلبيس، ليتم له مقصوده، ويقضى له أربه، فالله المستعان.

إذاً فالنية المبيتة بالطلاق نوع من أنواع الغش والتدليس، وهو أشد من الغش والتدليس في الأموال، لأن الأبضاع مبناها على التكريم، وتقوية رابطة المودة والرحمة، كما أن الزواج رباط مقدس، سماه الله ميثاقاً غليظاً فقال: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} (١) كما أنه يصعب في هذه الرابطة تدارك الغبن، أو التعويض فيه، إذا ما وقع، فالغش والتلبيس فيه أعظم ضرراً من الغش والتلبيس في الأموال بكثير، والإثم على قدر الضرر.

(٥) لا ضرر ولا ضرار

أصل هذه القاعدة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " لا ضرر ولا ضرار" (٢)، وهذا الحديث يشتمل على حكمين:

الأول: لا ضرر أي لا يجوز لأحد الأضرار بغيره ابتداءً، لا في نفسه، ولا في عرضه، ولا في ماله، لأن إلحاق الضرر بالغير ظلم، والظلم حرام في الإسلام.


(١) سورة النساء الآية رقم ٢١
(٢) أخرجه أحمد في المسند من حديث ابن عباس ١/ ٥٥ برقم ٢٨٦٥، وأبو داوود في كتاب الأقضية عن أبي صرمة ٤/ ٤٩ برقم ٣٦٣٥، وابن ماجة في كتاب الأحكام من حديث عبادة ابن الصامت م ٢ ج ١/ ٦٨ برقم ٢٣٤٠، والترمذي في كتاب البر والصلة ٤/ ٢٩٣ برقم ١٩٤٠، والحاكم في المستدرك في كتاب البيوع من حديث أبي سعيد وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ٢/ ٥٨ والبيهقي في السنن الكبرى في كتاب الصلح من حديث أبي سعيد ٦/ ١١٥ برقم ١١٣٨٤ وغيرهم.

<<  <   >  >>