ولهذا قال أيوب السختياني وهو من كبار التابعين وساداتهم وأئمتهم في هؤلاء: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان لو أتوا الأمر على وجهه كان أسهل عليهم. (١)
كل أوجه الوفاق هذه بين النكاح بنية الطلاق (السياحي) والنكاح المؤقت بأنواعه، لا تجعل المنصف يرى فرقاً كبيراً بينهما، وما ذكره الفريق الأول من فروق، جُلها يرجع إلى مسائل لفظية وصور شكلية في صيغة العقد.
(٣) لا يصح الاعتراض لتجويز هذا النكاح، بأن الطلاق أمر جائز، للرجل أن يوقعه متى شاء، وإذا كان كذلك فإنه يجوز له إضماره متى شاء؛ لأنا نقول: الطلاق أمر جائزٌ، ولكن بعد عقد صحيح شرعاً، لفك رباطه، وحل وثاقه، لا قبل إبرام العقد والذي سيكون لا محل له، وإضماره في الحياة الزوجية لا يضر، بخلاف إضماره قبل العقد أو أثنائه، فإن فيه معارضةً لقصد الشارع من جهة، ويشتمل على الغش والتدليس من جهة أخرى، ثم هل يسلم أن الطلاق يجوز إذا ترتب عليه إضرار بالمرأة، دون ما سبب يدعو إليه، إلا مجرد المتعة، والتنقل في مراتع الشهوات، وطلب اللذات عبر الزواج بنساءٍ عديدات؟
إن الإسلام قد جعل طلاق المرأة في حيضها، أو في طهر أُصيبت فيه، طلاقاً بدعياً، لما يترتب عليه من إضرار بالمرأة، والذي يتمثل بإطالة عدتها، فكيف إذا ترتب على هذا الطلاق أضراراً أكبر وأعظم؟ كما في النكاح السياحي، بل كيف إذا كان هذا النكاح قائمٌ أساساً على الإضرار بالمرأة، بالغش والتدليس عليها ابتداءً ورميها والتخلي عنها دون ما سبب انتهاءً؟
ليس هذا من محاسن الإسلام، ولا من أخلاق الناس في شيء، فإن الإسلام قد أعز المرأة وكرمها أيما تكريم، ثم إنه كذلك لا يصح الاستدلال بفعل أحد غير المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.
(٤) كما لا يصح الإعترض كذلك؛ بأن العزم على الطلاق لا تأثير له في حل رباط الزوجية، فإذا كان كذلك، فإنه لا تأثير له أيضاً في إبطاله أثناء انعقاده؛ لما علمنا من حرص الشارع الحكيم على بقاء هذه الرابطة، وحفاظه على قدسية النكاح، وعدم انفراط عقده، وفكاك رباطه بعد أن تم، بل رغب في بالصبر وعدم التسرع، وجعل بعض القيود التي تجعل الرجل، يتروى ولا يتسرع، فأرشد أولاً إلى الوعظ، ثم الهجر، ثم الضرب غير المبرح، ثم