للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال إسماعيل بن سعد (١) عن الرجل يتزوج المرأة، وفي نفسه أن يحلها لزوجها الأول، ولم يُعلِم المرأة بذلك، قال: هو محلل، إن أراد بذلك الإحلال، فهو ملعون، وهذا ظاهر قول الصحابة. (٢) وقد أخرج الحاكم، من طريق نافع قال: جاء رجل إلى ابن عمر - رضي الله عنه - فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه، ليحلها لأخيه هل تحل للأول؟ فقال: لا إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. (٣) إذا تبين هذا، فما هو المعنى، الذي من أجله لقب بالتيس المستعار؟ ووردت الأحاديث بذمه ولعنه؟ لا شك أن توقيت هذا النكاح بزمن، وعزم الزوج على تطليق المرأة عند انتهاء المدة، هو الذي أفقده الشرعية، واستحق اللعن والذم، لأنه ليس نكاح رغبة، ولأنه عار عن المقاصد الشرعية، التي من أجلها شُرع النكاح. (٤)

فنية هذا الناكح المؤقتة، في هذا النكاح، (التحليل) والتي تعتبر سبباً لبطلان العقد، هي عين النية في النكاح الزواج بنية الطلاق (السياحي) لأن عنصر التوقيت حاصل في النكاحين، في القصد والعزم، وإن لم يُتلفظ به أثناء العقد، بل إن النكاح السياحي أسوء حالاً من حيث أن نكاح التحليل قد يكون في بعض صوره، تواطؤ الأطراف الثلاثة، الزوج الأول، والثاني، والزوجة، فتكون المرأة على علم بما هي صائرة إليه، فخلا عن الغش والتدليس، ولكنه لما كان مؤقتاً استحق فاعله الذم واللعن، ووسم عقده بالبطلان، فما بالك بالزواج بنية الطلاق! فإنه بالإضافة إلى توقيته بزمن، فيه غش وخداع للمرأة، وتغرير عليها، ومفاسد أخرى، فلا غرو أن نقول أن هذا النكاح (السياحي) أسوأ حالاً من شقيقيه نكاح المتعة، ونكاح المحلل. (٥) ورحم الله ابن القيم إذ يقول: فأي فرق بين التوسل إلى الحرام بطريق الاحتيال والمكر والخداع، والتوسل إليه بطريق المجاهرة التي يوافق فيها السر الإعلان، والظاهر الباطن، والقصد اللفظ بل سالك هذه الطريقة قد تكون عاقبته أسلم، وخطره أقل من سالك تلك من وجوه كثيرة كما أن سالك طريق الخداع والمكر عند الناس أمقت، وفي قلوبهم أوضع، وهم عنه أشد نفرة ممن أتى الأمر على وجهه، ودخله من بابه،


(١) هو إسماعيل بن سعد بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة، وأمه أم عامر، وأسمها مكينة بنت عمرو. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٥/ ١٧٠.
(٢) انظر المغني لابن قدامة المقدسي ١٠/ ١٩٩.
(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ٢/ ٩٩.
(٤) الزواج بنية الطلاق حقيقته، وحكمه، وآثاره، تأليف الدكتور أحمد بن موسى السهلي، ط، مكتبة دار البيان الحديثة، الطائف السعودية، تأريخ الطبع ١٤٠٠ هـ ٢٠٠١ م صـ ١١٠ ..
(٥) الزواج بنية الطلاق ١١٣ بتصرف.

<<  <   >  >>