للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحكيم، وبعد كل ذلك جعل التسريح بإحسان، هو الحل الأخير؛ لهذا كله لم يؤثر ذلك العزم على ديمومة وبقاء النكاح، أما إن كان هذا العزم قبل إبرام العقد، أو أثناءه، فالمتجه شرعاً ألا يصح النكاح ابتداءً، حفاظاً على قدسية النكاح وحرمته، والحرص على عدم انفراط عقده، بعد أن تم واكتمل؛ والناظر في نصوص الشرع الحنيف، يرى مدى حرصه على ديمومة وبقاء النكاح، لهذا كان العزم الأول غير مؤثر في ديمومة النكاح وبقائه، بخلاف العزم الثاني فإنه مؤثر.

(٥) ثم إن هذا الناكح في الحقيقة، لا يريد بنكاحه هذا تحقيق أهداف ومقاصد النكاح التي شُرع من أجلها، بل يريد المتعة، وحصول اللذة فحسب، قال ابن القيم: فمن ليس له قصد في الصحبة، ولا في العشرة، ولا في المصاهرة ولا في الولد ولا المواصلة ولا المعاشرة ولا الإيواء؛ بل قصده أن يفارق لتعود إلى غيره؛ فالله جعل النكاح سببا للمواصلة، والمصاحبة والمحلل جعله سببا للمفارقة، فإنه تزوج ليطلق، فهو مناقض لشرع الله ودينه وحكمته فهو كاذب في قوله تزوجت، بإظهاره خلاف ما في قلبه، وبمنزلة من قال لغيره وكلتك أو شاركتك، أو ضاربتك أو ساقيتك، وهو يقصد رفع هذه العقود وفسخها، وقد تقدم أن صيغ العقود إخبارات عما في النفس من المعاني، التي هي أصل العقود، ومبدأ الحقيقة التي بها يصير اللفظ كلاما معتبراً، فإنها لا تصير كلاماً معتبراً إلا إذا قرنت بمعانيها، فتصير إنشاء للعقود والتصرفات من حيث إنها هي التي أثبتت الحكم، وبها وجد، وإخبارات من حيث دلالتها على المعاني التي في النفس، فهى تشبه في اللفظ أحببت، أو أبغضت وكرهت، وتشبه في المعنى قم واقعد، وهذه الأقوال إنما تفيد الأحكام إذا قصد المتكلم بها حقيقة أو حكماً ما جعلت له، وإذا لم يقصد بها ما يناقض معناها .. (١) وليت الأمر يقف هنا، بل يتعدى إلى الإضرار بالمرأة، وأوليائها، والمجتمع كله، وكل ذلك باسم النكاح المشروع، بل وصل بالبعض منهم، أن تزوج في صيف واحد، بأربع فتيات، يقضي مع الواحدة منهن شهراً واحداً، أو أقل أو أكثر بقليل، بحثاً عن لذته وقضاء وطره (٢)، أين هذا من أهداف النكاح ومقاصده؟ لكنه التلاعب بهذه الرابطة المقدسة، تحت ستار حلية الزواج السياحي وشرعيته.


(١) إعلام الموقعين ٣/ ١١٩ وما بعدها.
(٢) مقابلة في قناة العربية مع الأستاذ عبد السلام الخديري أحد قيادات المجلس المحلي في محافظة إب سابقاً.

<<  <   >  >>