للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاستحقاق، فإن الاستحقاق في المجهول في حكم العين كأنه غير ثابت، فكما أن تعليق ابتداء الاستحقاق بخروج القرعة يكون قمارًا، فكذلك تعيين المستحق، وإنما يجوز استعمال القرعة عندنا فيما يجوز الفعل فيه بغير القرعة كما في القسمة، فإن للقاضي أن يعين نصيب كل واحد منهم بغير قرعة، فإنما يقرع؛ تطييبًا لقلوبهم، ونفيًا لتهمة الميل عن نفسه (١).

هـ- ثم إن القرعة في هذا الحديث منسوخة؛ لأن القرعة قد كانت في بدء الإسلام تستعمل في أشياء فيحكم بها فيها (٢).

وأجيبوا (٣):

بأن إنكارهم للقرعة غير مسلّم؛ فقد جاءت في الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (٤)، وقال تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (٥).


(١) انظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص (٨/ ٣٣٣)، المبسوط للسرخسي (٧/ ٧٤ - ٧٥)، وقال السرخسي بعدها: "وبهذا الطريق كان يقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين نسائه إذا أراد سفرًا؛ لأن له أن يسافر بمن شاء منهن بغير قرعة؛ إذ لا حقَّ للمرأة في القَسْم في حال سفر الزوج، (وإنما كان يقرع - عليه الصلاة والسلام - بينهن، لئلا يسبق إلى ظن بعضهن أنه قصد إيثارها على غيرها، فيورثها ذلك وحشة)، وكذلك يونس صلوات الله عليه عَرف أنه هو المقصود، وكان له أن يلقي نفسه في الماء من غير إقراع، ولكنه أقرع كي لا ينسب إلى ما لا يليق بالأنبياء، وكذلك زكريا - عليه السلام - كان أحق بضم مريم إلى نفسه؛ لأن خالتها كانت تحته ولكنه أقرع تطييبًا لقلوب الأحبار، مع أن تلك كانت معجزة له فقد روي أن أقلامهم كانت من الحديد، وكان الشرط أن من طفا قلمه على وجه الماء فهو أحق بها، وروي أنه كان من القصب، وكان الشرط أن من استقبل قلمه جري الماء، ولم يجر مع الماء فهو أحق بها بقي اعتمادهم على الحديث". ما بين القوسين فهو من شرح مختصر الطحاوي للجصاص (٨/ ٣٣٣).
(٢) انظر: شرح مشكل الآثار (٢/ ٢١١)، اللباب (٢/ ٧٩٣).
(٣) انظر: المغني (١٠/ ٣٢٠ - ٣٢١).
(٤) سورة آل عمران: ٤٤.
(٥) سورة الصافات: ١٤١. الْمُدْحَضِين: أي: المغلوبين. تفسير ابن كثير (٧/ ٣٨).

<<  <   >  >>