فأولية الله - عز وجل - سابقة على أولية كل ما سواه، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه، فأوليته سبقه لكل شيء وآخريته بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريته سبحانه فوقيته وعلوه على كل شيء، ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه. وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه، هذا لون وهذا لون. فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية. فإحاطة أوليته وآخريته بالقبل والبعد، فكل سابق انتهى إلى أوليته وكل آخر انتهى إلى آخريته فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه. وما من أول إلا والله قبله، وما من آخر إلا والله بعده. فالأول قدمه، والآخر دوامه، وبقاؤه والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه. فسبق كل شيء بأوليته، وبقي بعد كل شيء بآخريته، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا تواري منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضاً، ولا يحجب عنه ظاهر باطناً، بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية. فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأول في آخريته، والآخر في أوليته، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً. والتعبد بهذه الأسماء رتبتان: الرتبة الأولى: أن تشهد الأولية منه تعالى في كل شيء، والآخرية بعد كل شيء، والعلو والفوقية فوق كل شيء، والقرب والدنو دون كل شيء، فالمخلوق يحجبه مثله عما هو دونه، فيصير الحاجب بينه وبين المحجوب، والرب جل جلاله ليس دونه شيء أقرب إلى الخلق منه. والمرتبة الثانية من التعبد: أن يعامل كل اسم بمقتضاه فيعامل سبقه تعالى بأوليته لكل شيء، وسبقه بفضله وإحسانه الأسباب كلها بما يقتضيه ذلك من إفراده، وعدم الالتفات إلى غيره، والوثوق بسواه، والتوكل على غيره. فمن ذا الذي شفع لك في الأزل حيث لم تكن شيئاً مذكوراً حتى سماك باسم الإسلام، ووسمك بسمة الإيمان، وجعلك من أهل قبضة اليمين، وأقطعك في ذلك الغيب عمالات المؤمنين، فعصمك عن العبادة للعبيد، وأعتقك من التزام الرق لمن له شكل ونديد، ثم وجه وجهة قلبك إليه سبحانه دون ما سواه. فاضرع إلى الذي عصمك من السجود للصنم، وقضى لك بقدم الصدق في القدم، أن يتم عليك نعمة هو ابتدأها =