للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم (١) أن الأول يكون أولاً بالإضافة إلى شيء، والآخر يكون آخرًا بالإضافة إلى شيء، فهما متناقضان، فلا يتصور أن يكون الشيء الواحد من وجه واحد بالإضافة إلى شيء واحد أولاً وآخراً جميعاً، بل إذا نظرت إلى ترتيب الوجود ولاحظت سلسلة الموجودات المترتبة، فالله تعالى بالإضافة إليها أول، إذ الموجودات كلها استفادت الوجود منه، وأما هو تعالى فموجود بذاته ولم يستفد الوجود من غيره.

ومهما نظرت إلى مراتب السلوك، ولاحظت مراتب السائرين عليه فهو آخر، إذ هو آخر ما تترقى إليه درجات العارفين، وكل معرفة تحصل قبل معرفته، فهو مرقاة إلى معرفته، والمنزل الأقصى هو معرفة الله، فهو آخر [بالنسبة] (٢) إلى السلوك، أول بالإضافة إلى الوجود، فمنه المبدأ أولاً، وإليه المرجع والمصير آخراً.

هذا كلام الغزالي في "المقصد الأسنى" (٣).


= والله بعده، فالأول قدمه، والآخر دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه، فسبق كل شيء بأوليته، وبقي بعد كل شيء بآخريته، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا تواري منه سماء سماء، ولا أرض أرضاً، ولا يحجب عنه ظاهراً باطناً، بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية، فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأول في آخريته، والآخر في أوليته، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً".
انظر: "شأن الدعاء" (ص ٨٨ - ٨٩)، "الاعتقاد" للبيهقي (ص ٦٤)، "مجموع فتاوى" (٥/ ٤٩٨ - ٥٠٠).
(١) قاله الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص ١٤٥).
(٢) كذا في المخطوط، والذي في "المقصد": "بالإضافة".
(٣) (ص ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>