للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترتيب الإنسان وتوجيهها إلى المسببات كان حكماً مطلقاً؛ لأنه مسبب كل الأسباب [٢٧٦/ أ] جملها وتفصيلها، ومن الحكم يتشعب القضاء والقدر: فتدبيره أصل في وضع الأسباب ليتوجه [٤٤٠ ب] إلى المسببات، حكمه، ونصبه الأسباب الكلية الأصلية الثابتة المستقرة التي لا تزول ولا تحول: كالأرض والسماوات السبع والكواكب والأفلاك، وحركاتها المتناسبة الدائمة التي لا تتغير ولا تنعدم إلى أن يبلغ الكتاب أجله، قضاؤه كما قال: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} (١).

وتوجيهه هذه الأسباب بحركاتها المحدودة المقدرة المحسوبة إلى المسببات الحادثة منها لحظة بعد لحظة، قدره.

فالحكم (٢) هو التدبير الأول الكلي والأمر الأزلي الذي هو كلمح البصر.

والقضاء هو الوضع الكلي للأسباب الكلية الدائمة، والقدر هو توجيه الأسباب الكلية بحركاتها المقدرة المحسوبة إلى مسبباتها المعدودة المحدودة بقدر معلوم لا يزيد ولا ينقص، ولذلك لا يخرج شيء عن قضائه وقدره.

قوله: "العَدْل" (٣):


(١) سورة فصلت: ١٢.
(٢) ذكره الغزالي في "المقصد الأسنى" (ص ٩٦).
(٣) العدل: ليس اسم لله تعالى، بل صفة ثابتة لله - عز وجل - بالأحاديث الصحيحة.
منها: ما أخرجه البخاري رقم (٣١٥٠)، ومسلم رقم (١٠٦٢) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -. وقوله - صلى الله عليه وسلم - للذي قال: والله، إن هذه لقسمة ما عدل فيها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله".
قال الهراس في "شرح النونية" (٢/ ٩٨): وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله، فأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة، ليس فيها شائبة جور أصلاً، فهي دائرة كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>