للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هذه القصة الشيقة، ولكنه توفي قبل أن يفي بوعده (١).

...

ونود الآن أن نتحدث عن المسرحيات وليس عن المسرح (٢). كان الجزائريون قبل الاحتلال يمثلون عن طريق خيال الظل المعروف بالكركوز. كما كانوا يعرفون التمثيل بهذه الوسيلة التي كانت شائعة في المشرق العربي أيضا. وكان مسرح خيال الظل مزدهرا سنة ١٨٣٠، وظل بضع سنوات بعد ذلك، وقد وصفه الكتاب الأروبيون الذين سجلوا الحياة العامة في رحلاتهم وكتاباتهم الانطباعية عن المجتمع الجزائري، وحضروا بعض الحفلات. ومن الشخصيات البارزة في مسرح خيال الظل شخصية الحاج عيواز. ولكن مع الاحتلال يبدو أن هذا المسرح قد اتخذ أساليب جديدة.

ويبدو أن السلطات الفرنسية لم ترق لها هذه الأساليب الجديدة، فمنعته تماما في بداية الأربعينات. ففي سنة ١٨٤٣ كتبت (مجلة الشرق) أن مسرح خيال الظل قد أوقفته السلطات (لفظاعته) وأنها جعلت (عقوبات صارمة) ضد من يمارسه. فهل كانت هذه السلطات أكثر حرصا على الأخلاق العامة من السلطات العثمانية السابقة؟ لا نظن ذلك. وإنما الأكيد أن الممثلين قد تسيسوا وأصبح الحاج عيواز رمزا للحكم السابق الذي يريد الفرنسيون محوه من ذاكرة الناس. وكان الحاج عيواز وغيره من الممثلين يستعملون الرموز ضد الوجود الفرنسي، فحكم بوجو على المسرح كله بالإعدام. وقد قيل إن هذا المسرح كان محبوبا، وكان يحضره الشباب الجزائري وحتى الأروبي، وكان ينشط بالخصوص في ليالي رمضان (٣).

ولا نعتقد أن التمثيل قد انقطع بعد إلغاء مسرح الكركوز. فقد بقيت


(١) عن رمضان حمود انظر فصل الشعر، ومحمد ناصر (رمضان حمود: حياته وآثاره)، الجزائر، ١٩٨٥، ط. ٢. ص ٣١٠ - ٣٤٨.
(٢) عن تطور المسرح انظر فصل الفنون وأيضا فصل المنشآت الثقافية. وعن التمثيل في العهد العثماني انظر الجزء الثاني.
(٣) مجلة الشرق (بالفرنسية)، ١٨٤٣، ص ٢٤٧ - ٢٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>