الجزائر، لأنهم طالما لجأوا إلى نفي العلماء الخطرين عليهم والضغط عليهم لكي يختاروا هم منفاهم بأنفسهم، بقي أن نذكر أن بعض العلماء عندما وجدوا باب الوظيف مسدودا أو غير أخلاقي ظلوا في الجزائر ولكنهم اختاروا التجارة وغيرها من الأمور غير العلمية.
[علاقة العلماء بالحكام]
كان العلماء يمثلون الرأي العام في الجزائر خلال العهد العثماني. فهم رغم ترفعهم الطبقي كانوا على صلة بالناس في الدروس ومجالس الفتوى والقضاء والزوايا وخطب الجمعة ونحو ذلك. وكان بعض العلماء يجلسون في المقاهي ويختلطون بالناس في الأسواق أيضا. وكان بعضهم يكثر عليه الازدحام في الدرس والخطبة حتى يلفت النظر لنفسه فتخشاه السلطة كما مر بنا. ومن جهة أخرى كان الناس يثقون في رجال الدين أكثر مما كانوا يثقون في رجال السياسة والحرب، ولهذه المكانة التي كانت للعلماء كان العثمانيون يقدرونهم ويخشونهم ويتقربون منهم ويطرونهم ويمنحونهم الهدايا، وكانوا أحيانا يلجأون إليهم في موقف تأييد وغير ذلك. كما أن العلماء كانوا في حاجة إلى الباشوات والبايات طمعا في مال أو وظيفة أو تأييد ضد منافس. وكانت هذه العلاقة في الواقع علاقة مطردة، فإذا وقع نفور من أحد الطرفين أو معاملة غير جيدة فذلك يعود إلى تصرف الأفراد في فترة معينة وليس إلى العلاقة في حد ذاتها.
ويمكننا أن نقسم هذه العلاقة إلى طيبة وسيئة. وقبل كل شيء نود أن نلاحظ أن حديثنا سينصب في الغالب على علماء الجزائر أو من في حكمهم وليس العلماء الذين كانوا يفدون مع الباشوات من إسطانبول لمدة معينة. فقد كان الحاكم العثماني ملتزما بمبدأ عريق عنده، وهو أنه رجل محارب وسياسي وأن حروبه وسياسته قائمة على الدفاع عن الدين والجهاد في سبيله. فهو يعترف أنه من رجال السيف وأنه لا شأن له بالطرف الآخر من القضية،