للأطفال. كان في الغالب عبارة عن حجرة أو دكان في الأصل أو جناح في مسجد معد للغرض المذكور، بل إن بعض الواقفين كان يكتفي بفتح غرفة في منزله على الشارع ويجعلها كتابا للأطفال. وكذلك كان في زوايا المرابطين أجنحة خاصة لتعليم الأطفال وحفظ القرآن. وكانت الكتاتيب منتشرة في جميع الأحياء، وكثير منها كان يحمل اسم الحي الواقع فيه. فهناك مثلا مكتب سوق القندقجية، ومسيد القيصرية، ومكتب الشماعين، وبعضها كان يحمل اسم الزاوية أو الشارع مثل مسيد كوشة الوقيد، ومسيد كوشة بولعبة، وكتاب زاوية الجامع الكبير، ومسيد ابن السلطان، ومسيد جامع السيدة. وأحيانا كان المكتب يحمل اسم الواقف أو المؤدب المشهور، مثل مكتب علي باشا، ومسيد الحاج مصطفى بولكباش ومكتب العمالي. وإذا كان المكتب يقع في البادية فهو يسمى (الشريعة) إذ تنصب لذلك خيمة خاصة بتحفيط القرآن وإقامة الصلوات ونحو ذلك (١).
ويظهر من هذا أن الواقفين على بناء وفتح الكتاتيب كانوا من جميع طبقات المجتمع. فالباشوات والبايات والموظفون السامون كانوا يشتركون مع الأهالي في هذه المهمة العلمية والخيرية. فقد وجدت وقفية لواقف مجهول خصصها لصالح (الذي يعلم الأطفال في المدرسة التابعة لمنزله). وبالقرب من جامع خضر باشا أنشأ الحاج مصطفى بولكباش مكتبا خصصه لتعليم القرآن، وهو المكتب الذي وسعه الباشا إبراهيم خوجة فيما بعد. وقد ألحق بجامع الباشا الحاج حسين ميزمورطو مكتب لتعليم الفقه الحنفي. وألحق الباشا محمد بن بكير بجامع عبدي باشا مدرسة وأوقف عليها. وكان الباشا محمد بن محمود هو الذي أنشأ مسيدا لتعليم القرآن للأطفال المسلمين. ومن جهة أخرى قام بيت المالجي، وهو ساري مصطفى، بإنشاء مسيد تابع لجامع السيدة. ووجد مكتوبا على مكتب علي باشا هذه العبارة (الحمد لله، أمر ببناء هذا المكتب الأمير المفخم، السيد علي باشا، نصره
(١) أشار إلى ذلك ابن مريم في (البستان) ٢٨٨، حيث قال إن المؤذن يؤذن في (الشريعة) وسط الدوار.