نشرت بدورها هناك هذه الظاهرة، بعد الاحتلال الفرنسي، وكلما تقدم العدو نحو زواوة كلما كثر الأخوان وأقيمت الزوايا كحصون للعلم والجهاد. وهذا يذكرنا بدور الزوايا في الزمن القديم، والرباط هو أصلها، كما عرفنا.
إن بعض الجاهلين قد اعتقدوا أن الزوايا في زواوة قد أنشأها المرابطون وهم من العرب. وأخذوا يوسعون في هذا القول ويبنون عليه استنتاجات باطلة، منها التبعيد بين المواطنين والمرابطين من جهة، وبين تعليم الزوايا وتعليم المدارس الفرنسية من جهة أخرى، ولو كان النقد بريئا لقبلناه لأن كل المجتمعات فيها ظاهرة الطبقية وتحديد العلاقات على أسس اقتصادية واجتماعية، وقد عرفت فرنسا نفسها هذه الطبقية حتى غصت بها، وعرفتها الشعوب المتحضرة كالإغريق والمصريين والرومان والهنود والصينيين. والجزائريون (ومنهم أهل زواوة) ليسوا بدعا في ذلك. وعلاقات المرابطين مع المواطنين كانت نمطا من العيش تقبله الجميع وعاش في ظله الجميع يكملون بعضهم البعض ولم يفرض بحروب ولا بطغيان واستبداد. وعندما أذن داعي التغيير استجاب له الجميع أيضا دون مقاومات ولا ثورات كالتي عرفتها الشعوب (المتحضرة).
ومع ذلك فقد أثبت الباحثون الفرنسيون أنفسهم أن المرابطين لم يكونوا كلهم من (العرب)، بل كان أغلبهم من المستعربين البربر الذين أخذتهم الغيرة على الدين الإسلامي ولغة القرآن فانشأوا لذلك الزوايا ونظاما تعليميا دقيقا تعجز عنه في وقته بعض الوزارات في البلدان الأخرى. وهو نظام لم يكن فوق النقد طبعا في عصرنا الحاضر، كما سنرى. فهذا هانوتو ولوترنو توصلا إلى أن المرابطين كانوا من كل (الأعراق)، وتوصلا كذلك إلى أن منهم من كان تركي الأصل ومن كان زنجيا، ومن كان غير ذلك. وقد نفيا ما ادعاه الجنرال دوماس E.Dumas من أن أصل المرابطين في زواوة أندلسي، وكذلك ما ادعاه بعضهم من أن أصلهم من الأشراف، ونحن لا يهمنا الآن هذا كثيرا، لأن المواطنين الصالحين يعرفون الحقيقة دون الرجوع إلى الباحثين الفرنسيين ليدلوهم عن المرابطين ودورهم الإيجابي أو السلبي في