وكل تهليلة صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام؟ كان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر".
قال النووي: في هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات. فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف الذي أمر الله به، أو طلب ولد صالح، أو إعفاف نفسه أو إعفاف الزوجة، أو غير ذلك من المقاصد الصالحة.
قال: وفي الحديث جواز القياس وهو مذهب العلماء كافة، ولم يخالف فيه إلا أهل الظاهر، ولا يعتد بهم، وأما المنقول عن التابعين ونحوهم من ذم القياس فليس المراد به القياس الذي يعتمده الفقهاء المجتهدون، وهذا القياس المذكور في الحديث هو من قياس العكس، واختلف الأصوليون في العمل به، وهذا الحديث دليل لمن عمل به، وهو الأصح.
قال: وفي هذا الحديث فضيلة التسبيح، وسائر الأذكار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإحضار النية في المباحات، وذكر العالم دليلاً لبعض المسائل التي تخفى، وتنبيه المفتي على مختصر الأدلة، وجواز سؤال المستفتي عن بعض ما يخفي من الدليل إذا علم من حال المسئول أنه لا يكره ذلك، ولم يكن فيه سوء أدب. اهـ.
أما الحديث (١٩) فلفظه: "من كبر وحمد الله وهلل وسبح الله واستغفر الله، وعزل حجراً عن طريق الناس، أو شوكة أو عظماً عن طريق الناس، وأمر بمعروف ونهى عن منكر، فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح عن النار". "على كل مسلم صدقة، قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير. قيل أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر، فإنها صدقة". "كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع عليها متاعه صدقة، قال: والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة". "اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة".
وحتى الخازن يدفع ما يأمره به سيده أحد المتصدقين، والمرأة تنفق من مال زوجها من طعام بيتها غير مفسدة يكون لها أجرها بما ناولت، كما سيأتي ذلك في الأحاديث من (٤٤) إلى (٤٩) تحت عنوان: فضل نفقة الخازن. هذه هي الأحاديث التي أخرجها الإمام مسلم، والتي تخص فضل الإنفاق بصفة عامة، نضيف إليها بعض النصوص الأخرى لنزيد الموضوع ثراء وعلماً، وبالله التوفيق.
يقول الله تعالى:{ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً* إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً* إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً* فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً* وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً}[الإنسان: ٨ وما بعدها].