للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقط، ومن ثبتت عدالته مرة لزم البحث عنها مرة أخرى مع طول المدة بين الشهادتين؛ لأن الأحوال تتغير مع طول الزمن، (فمتى جهل حاكم حال بينة) فلم يعلم قوة ضبطها ودينها (طلب التزكية) أي طلب من يزكيها (مطلقا) من غير تقييد. بحال دون حال، (ولا يقبل فيها) أي التزكية (و) لا (في الجرح ونحوهما إلا رجلان)، فلا يقبل في ذلك شهادة النساء؛ لأنها شهادة فيما ليس بمال ولا يقصد به المال ويطلع عليه الرجال غالبا أشبه الشهادة في القصاص، فإذا ارتاب الحاكم من عدلين لزمه البحث عما شهدا به بسؤال كل واحد منهما منفردا عن كيفية تحمله ومتى وأين، ويسأله هل تحمل الشهادة وحده أو مع صاحبه، فإن اتفقا وعظهما وخوفهما، لحديث أبي حنيفة قال: "كنت عند محارب بن دثار (١) وهو قاضي الكوفة، فجاء رجل فادعى على رجل حقا فأنكره، وأحضر الدعي شاهدين شهدا له، فقال المشهود عليه: والذي تقوم به السماء والأرض لقد كذبا علي، وكان محارب بن دثار متكئا فاستوى جالسا وقال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن الطير لتخفق بأجنحتها، وترمي ما في حواصلها من هول يوم القيامة، وإن شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار، فإن صدقتما فاثبتا، وإن كذبتما فغطيا رؤوسكما


(١) محارب بن دثار: بن كردوس بن قرواش، السدوسي، الكوفي، الفقيه، قاضي الكوفة، وليها لخالد بن عبد اللَّه القسري، كنيته: أبو دثار، توفي سنة ١١٦ هـ.
ينظر: تهذيب الكمال ٢٧/ ٢٥٥ - ٢٥٨، وسير أعلام النبلاء ٥/ ٢١٧ - ٢١٩.