العدالة في الشاهد أن يكون وسطًا كالميزان، لا يميل مع أحد، بل يصمم على الحق تصميمًا، لا يجذبه هوى، ولا يميل به دعية، ولا رهبة، من ها هنا، ولا من ها هنا، فكان وصفه بالوسط غاية في التزكية والتعديل، وظن غير من الناس أن معنى الأوسط: الأفضل على الإِطلاق، وقالوا: معنى الصلاة الوسطى: الفضلى، وليس كذلك، بل هو في جميع الأوصاف لا مدح ولا ذم، كما يقتضي لفظ التوسط، فإذا كان وسطًا في السمن، فهي بين المحجة والعجفاء، والوسط في الجمال بين الحسناء والشوهاء، إلى غير ذلك من الأوصاف لا يعطي مدحًا، ولا ذمًا، غير الفهم قد قالوا في المثل: أثقل من مغني وسط على الذم؛ لأن المغني إن كان مجيدًا جدًا أمتع وأطرب، وإن كان باردًا جدًا أضحك وألهى، وذلك أيضًا مما يمتع. قال الجاحظ: وإنما الكرب الذي يجثم على القلوب، ويأخذ بالأنفاس، الغناء الفاتر الوسط الذي لا يمتع بحسن، ولا يضحك بلهو، وإذا ثبت هذا فلا يجوز أن يقال في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو: أوسط الناس. أي: أفضلهم، ولا يوصف بأنه وسط في العلم، ولا في الجود، ولا في غير ذلك إلَّا في النسب والشهادة، كما تقدم، والحمد لله، والله =