وقال الخَطّابي: هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النَّداوة، لا أن في الجريدة معنى يخصُّه، ولا أن في الرَّطْب معنى ليس في اليابس، قال: وقد قيل: إن المعنى فيه أنه يسبِّح ما دام رطبًا، فيحصل التخفيف ببركة التسبيح، وعلى هذا فيطَّرِد في كل ما فيه رطوبة من الأشجار وغيرها، وكذلك فيما فيه بركة كالذِكْر وتلاوة القرآن من باب الأولى.
وقال الطيبي: الحكمة في كونهما ما دامتا رطبتين تمنعان العذاب، يحتمل أن تكون غير معلومة لنا كعدد الزَّبانية.
وقد استنكر الخَطّابي ومن تبعه وضع الناس الجريد ونحوه في القبر عملًا بهذا الحديث، قال الطُرْطُوشيّ: لأن ذلك خاص ببركة يده. وقال القاضي عِياض: لأنه علل غَرْزَهما على القبر بأمر مُغَيَّب، وهو قوله:"لَيُعذَّبان".
قال في "الفتح": لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب أم لا أن لا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب لو عُذِّب، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرُحِمَ أم لا أن لا ندعو له بالرحمة. وليس في السياق ما يقطع على أنه باشر الوضع بيده الكريمة، بل يُحتمل أن يكون أمر به. وقد تأسّى بُرَيْدة بن الحُصَيْب الصحابي بذلك، فأوصى أن يوضع على قبره جَريدتان كما أخرجه المصنِّف في الجنائز تعليقًا، وابن سعد موصولًا، وهو أولى أن يُتَّبع من غيره.
قال ابن المُرابط وغيره: يُحتمل أن يكون بُريدة أمران يُغرز في ظاهر القبر اقتداء بالنبي-صلى الله عليه وسلم- في وضعه الجريدتين في القبرين، ويُحتمل أن يكون أمر أن يُجعلا في داخل القبر لما في النخلة من البركة، لقوله تعالى:{كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}[إبراهيم: ٢٤]، والأول أظهر، وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه، ولم ير ذلك خاصًّا بالرجلين.
قال ابن رشيد: ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما، ولذلك عقبه بقول ابن عُمر: إنّما يُظِلُّه عمله.