للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقلت: وعلى كل حال، فعل بُريدة فيه استئناس لما تفعله الناس اليوم من وضع الجريد ونحوه على القبر، فإن الصحابي أدرى بمقاصد الحديث من غيره، خلافًا لما مرَّ عن الخَطّابي.

واعلم أن المقبورَيْن لم يُعرف اسمهما ولا اسم واحد منهما، والظاهر أن ذلك كان على عمدٍ من الرواة لقصد الستر عليهما، وهو عملٌ مستحسن، وينبغي أن لا يُبالَغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يُذم به.

وما حكاه القُرطبي في "التذكرة" وضعفه عن بعضهم أن أحدهما سعد بن معاذ قول في غاية البطلان، ولا ينبغي ذكره إلاَّ لبيان بطلانه، ومما يدُل على بطلانه ما ثبت في "الصحيح" من أنه عليه الصلاة والسلام حضر دفن سعد بن معاذ، وفي قصة المقبورَيْن عن أبي أمامة عند أحمد أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: "من دفنتُمُ اليوم هاهُنا؟ "، فدل على أنه لم يحضرهما.

وإنما ذكرت هذا ذبًّا عن هذا السيد الذي سماه النبي -صلى الله عليه وسلم- سيدًا، فقال: "قوموا إلى سيِّدكم"، وقال: "إن حكمه قد وافق حكم الله"، وقال: "إن عرش الرحمن اهتزَّ لموتِهِ" إلى غير ذلك من مناقبه الجليلة، خشية أن يغتر ناقص العلم بما ذكره القُرطبي، فيعتقد صحة ذلك، وهو في غاية البطلان.

واختلف في المقبورَيْن، فقيل: كانا كافِرَيْن، وبه جزم أبو موسى المديني، واحتج بما رواه عن جابر بسند فيه ابن لَهيعة: "أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية، فسمعهما يعذَّبان في البول والنميمة"، قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس قويًّا، لكن معناه صحيح؛ لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى، ولكنه لما رآهما يعذَّبان، ولم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه، فشفع لهما إلى المدة المذكورة.

وجزم ابن العطار بأنهما كأنا مسلمين، وقال: لا يجوز أن يُقال إنهما كانا كافرين؛ لأنهما لو كانا كافرين لم يَدْعُ لهما بتخفيف العذاب، ولا ترجاه لهما، ولو كان ذلك من خصائصه لبيَّنه كما في قصة أبي طالب.

<<  <  ج: ص:  >  >>