ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فقد اضطرب علينا حديث عمار هذا، غير أنهم جميعا قد نَفَوا أن يكون بلغ المنكين والإبطين، فثبت بذلك انتفاء ما روي عنه في حديث عبيد الله، عن أبيه، أو ابن عباس، وثبت أحد القولين الآخرين، فنظرنا في ذلك فإنا أبو جُهَيْم قد روى عن رسول الله - عليه السلام - أنه يَمَّم وجهه وكفيه، فذلك حجة لمن ذهب إلى أن التيمم إلى الكفين.
روى نافع، عن ابن عباس، عن النبي - عليه السلام -: "أنه تيمم إلى مرفقيه" وقد ذكرتُ هذين الحديثين جميعا في باب: "قراءة الجُنُب والحائض".
وقد حدثنا محمَّد بن الحجاج، قال: أنا علي بن معبد، قال: أنا أبو يوسف، عن الربيع بن بدر، قال: حدثني أبي، عن جَدّي، عن أَسْلع التميمي، قال:"كنت مع النبي - عليه السلام - في سفر، فقال لي: يا أَسْلع، قم فأرحل لنا، قلت: يا رسول الله - عليه السلام - أصابتني جنابة بعدك، قال: فسكت عني حتى جبريل - عليه السلام - بآية التيمم، فقال لي: يا أسلع، قم فتيمم صعيدا طيبا، ضربتين: ضربة لوجهك، وضربة لذرعيك، ظاهرهما وباطنهما، فلما انتهينا إلى الماء، قال لي: يا أُسَيْلعُ قُم فاغتسل".
فلما اختلفوا في التيمم كيف هو، واختلفت هذه الروايات فيه، رجعنا إلى النظر في ذلك؛ لنستخرج به من هذه الأقاويل قولا صحيحا، فاعتبرنا ذلك فوجدنا الوضوء على الأعضاء التي قد ذكرناها في كتابه، وكان التيمم قد أسقط عن بعضها؛ فأسقط عن الرأس والرجلين، فكان التيمم هو على بعض ما عليه الوضوء، فبطل بذلك قول مَنْ قال: إنه إلى المنكب؛ لأنه لما بطل عن الرأس والرجلين، وهما مما يُوضَّآن، كان أَحْرى أن لا يجب على ما لا يُوَضَّأ.
ثم اختُلِف في الذراعين، هل يُؤَمّمان أم لا؟ فرأينا الوجه الذي يُؤَمّم بالصعيد كما يغسل بالماء، ورأينا الرأس والرجلين لا يؤمم منهما شيء، فكان ما سقط التيمم عن بعضه سقط عن كله، وكان ما وجب فيه التيمم، كان كالوضوء سواء؛ لأنه جعل بدلا منه.