للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب أن يقال: لم يُرد بهذه الآية ما ذكرتم في هذا المعنى، وإنما أراد بها ما رواه ابن عباس وأبو هريرة - رضي الله عنهم - في قصة حمزة؛ وذلك أنه لما قتل أُخذ ومُثِّل به، فجدعوا أنفه وأذنيه وبقروا بطنه عن كبده.

وذكر موسى بن عقبة أن الذي بقر عن كبد حمزة - رضي الله عنه - وحشي فجعلها إلى هند بنت عتبة، فلاكتها فلم تستطع، ووقف عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحزن عليه حزنًا شديدًا، وقال: لئن ظفرت بهم لأمثلن بسبعين رجلًا منهم، فأنزل الله هذه الآية، وفي رواية أبي هريرة: "حَلَفَ على ذلك، فلما سمع قوله تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (١)، صبر على ذلك وكَفَّر عن يمينه".

فثبت بهذا أن هذه الآية نزلت في هذا المعنى، لا في المعنى الذي ذكره هؤلاء المعترضون.

فإن قيل: أنتم تقولون: العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، ونزول الآية على سبب لا يمنع استعمالها في جميع ما يشمله الاسم، فوجب استعمالها في جميع ما انطوى تحتها.

قلت: نعم، العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب إلا إذا منع مانع، وهَاهنا مانع وهو أنه لا يمكن للمعاقب القاتل إذا قتل مثلًا برضخ رأس المقتول بحجر أو نصبه غرضًا وقتله برمية؛ لأنا لا نحيط علمًا بمقدار الضرب وعدده وألمه، فلم تحصل المماثلة، ولكن يمكننا المعاقبة بمثله في باب إتلاف نفسه قتلًا بالسيف فوجب استعمال حكم هذه الآية فيه من هذا الوجه دون الوجه الأول.

فإن قيل: قد ذكر بعضهم أن هذه الآية مكيّة، وقصة أحد بعد الهجرة بثلاث سنين، فكيف يلتئم هذا مع هذا؟!

قلت: إن صح أنها مكيّة فالجواب عن ذلك ما ذكرنا، وهو عدم إمكان المعاقبة بالمثل فيما نحن فيه، وأما في غير ذلك من المواضع التي يمكن فيها المعاقبة بالمثل،


(١) سورة النحل، آية: [١٢٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>