للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن العربي في "الأحكام": في سبب نزولها خمسة أقوال:

الأول: أنها نزلت في أهل الكتاب؛ نقضوا العهد، وأخافوا السبيل، وأفسدوا في الأرض، فخيَّر الله نبيه -عليه السلام- فيهم.

الثاني: أنها نزلت في المشركين. قاله الحسن.

الثالث: نزلت في عُكْل وعُرينة.

الرابع: أن هذه الآية نزلت معاتبةً للنبي -عليه السلام- في العرنيين. قاله الليث.

الخامس: قال الليث: هي ناسخة لما فعل بالعرنيين.

واختار الطبري أنها نزلت في يهود، ودخل تحتها كل ذمِّي وملِّي وهذا ما لم يصح، وأنه لم يبلغنا أن أحدًا من اليهود حارب ولا أنه جوزي بهذا الجزاء.

ومَن قال أنها نزلت في المشركين أقرب إلى الصواب؛ لأن عكلًا وعرينة ارتدوا وقتلوا وأفسدوا, ولكن يبعد؛ لأن الكفار لا يختلف حكمهم ولا يلزم صلبهم، ولا يختلف حكمهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة كما تسقط قبلها، وقد قيل في الكفار: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (١)، وقال في المحاربين: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} (٢) وكذلك المرتد يقتل بالردة والمحاربة، وفي الآية النفي لمن لم يتب قبل القدرة، والمرتد لا ينفى، وفيها قطع اليد والرجل، والمرتد لا تقطع له يد ولا رجل.

فثبت أنها لا يراد بها المشركون ولا المرتدون.

وقال أبو بكر الرازي في "الأحكام": لا يخلو نزول الآية من أن تكون في العرنيين أو الموادعين، فإن كان في العرنيين وأنهم ارتدوا فإن نزولها في شأنهم لا يوجب الاقتصار بها عليهم؛ لأنهم لا حكم للسبب عندنا، وإنما الحكم عندنا لعموم اللفظ إلا أن يقوم الدليل على الاقتصار على السبب؛ ولأن الآية عامة


(١) سورة الأنفال، آية: [٣٨].
(٢) سورة المائدة، آية: [٣٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>