أما الأول: فلأن قولهم: إن الصاحب إذا روى خبرًا عن النبي -عليه السلام- ثم خالفه، يكون هذا ردًّا لما رواه، ليس في مثل هذا الموضع، وإنما هو في موضع لا يختلف فيه الحال، وقد قلنا: إن ها هنا اختلفت الأحوال؛ لأن رواية ابن عمر بإباحة التلقي في الحال التي لا تضر المقيمين بالسوق، وفتواه بترك التلقي ومنعه إياه في الحال التي لا تضر المقيمين بالسوق كما قد ذكرنا.
وأما الثاني: فلا نسلم أنهم أول مخالف لما في الخبرين، بل هم أول عامل لما فيهما إذ لو تركوا العمل بما فيها لقالوا: يُمنع التلقي مطلقًا، وابن حزم ومن نحا نحوه هم أول مخالف لما فيها حيث منعوا من التلقي مطلقًا.
وأما الثالث: فلا مناسبة لذكره في هذا الموضع لأن النزاع في إباحة التلقي وكراهته وليس في نهي بيع ما اشتراه، حتى يبلغ به سوق الطعام.
وأما الرابع: ففساده ظاهر؛ لأن الخبرين فيهما نص جليّ بإباحة التلقي، ولا يلزم من النهي عن ذلك وجود النسخ؛ لعدم العلم بالتاريخ، بل تحمل الإباحة على ما إذا انتفى الضرر بالمقيمين في السوق، ويحمل النهي على ما إذا وجد الضرر عليهم، كما قد ذكرناه.
وأما الخامس: فكذلك فساده ظاهر؛ لأن تصحيح معاني الآثار المختلفة لأجل اتفاقها ونفيها عن التضاد، لا يكون بما ذكره، بل إنما يكون بالطريقة التي ذكرنا.
وأما السادس: فأشد فسادًا مما قلبه ولا وجه لذكره أصلاً في معرض الاعتراض؛ لأنه لا تعلق له بمحل النزاع، يظهر ذلك بالتأمل.
ص: واحتجوا في إجازة الشراء مع التلقي المنهي عنه بما حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: ثنا هشام، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه شيئًا فهو بالخيار إذا أتى السوق".