وبحرمة الجمع بينهما، لا بحرمة الحجة خاصة ولا بحرمة العمرة خاصة، فأردنا أن ننظر أي ننظر في حكم ما يجب بالجمع هل هو شيئان أو شيء واحد، فنظرنا في ذلك، فوجدنا الرجل إذا أحرم بحجة مفردة أو بعمرة مفردة لم يجب عليه شيء، وإذا جمعهما جميعًا وجب عليه لجمعه بينهما شيء لم يكن يجب عليه في إفراده كل واحدة منهما، فكان ذلك الشيء دمًا واحدًا، فالنظر على ذلك أن يكون كذلك الحلق قبل الذبح الذي منع منه الجمع بين العمرة والحج ولا تمتع منه واحدة منها لو كانت مفردة، أن يكون الذي يجب به فيه دم واحد، فيكون أصل ما يجب على القارن في انتهاكه الحرم في قرانه أن ينظر، فما كان من تلك الحرم يحرم بالحجة خاصة أو بالعمرة خاصة فإذا جمعتا جميعًا فتلك الحرمة محرمة بشيئين مختلفين، فيكون على من انتهكهما كفارتان.
وكل حرمة لا تحرمها الحجة على الانفراد ولا العمرة على الانفراد، إنما يحرمها الجمع بينهما، فإذا انتهكت فعلى الذي انتهكها دم واحد؛ لأنه انتهك حرمة حرمت عليه بسبب واحد وهو الجمع بينهما، فهذا هو النظر في هذا الباب، وهو قول أبي حنيفة -رضي الله عنه- وبه نأخذ.
ش: لما بين أن وجه النظر والقياس أيضًا اقتضى وجوب الدم على القارن إذا حلق قبل الذبح، وأنه دم واحد عند أبي حنيفة، ودمان عند زفر، شرع يبين أن وجه القياس أيضًا لا يقتضي إلاَّ وجوب دم واحد كما ذهب إليه أبو حنيفة، ولا يقتضي وجوب دمين كما ذهب إليه زفر، وهو ظاهر غني عن مزيد البيان، وحاصله أن نظر زفر في أنه أدخل نقصًا في حرمة الإِحرامين؛ فيجب عليه دمان، ونظر أبي حنيفة في أن السبب هو حرمة الجمع بين الحجة والعمرة فالسبب واحد فلا يجب إلاَّ دم واحد، وقد نقل أبو عمر بن عبد البر عن أبي حنيفة: أنه يجب عليه دمان، وعن زفر: أنه يجب عليه ثلاثة دماء كما قد ذكرناه فيما مضى، وهو غير صحيح، بل الصحيح الذي بَيَّنَهُ الطحاوي واختاره بقوله:"وبه نأخذ" أي بقول أبي حنيفة نأخذ.