وقال القاضي: قوله: "إني رجل أسرد الصوم"، وقوله أيضًا:"إني رجل أصوم في السفر"، يدل ظاهرًا أنه سأله عن التطوع.
وقال ابن حزم: وأما خبر حمزة فبيان جلي في أنه إنما سأله - عليه السلام - عن التطوع؛ لقوله في الخبر:"إني امرؤ أسرد الصوم، أفأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام".
قلت: لا نسلم أن سؤاله كان عن التطوع، بل لم يكن سؤاله إلا عن الصوم في رمضان في السفر.
والدليل عليه ما رواه أبو داود (١): ثنا عبيد الله بن محمَّد النفيلي، قال: نا محمَّد بن عبد المجيد المدني، قال: سمعت حمزة بن محمَّد بن حمزة الأسلمي، يذكر أن أباه أخبره، عن جده:"قلت: يا رسول الله إني صاحب ظهر أعالجه، أسافر عليه وأكريه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر -يعني رمضان- فأنا أجد القوة وأنا شابٌّ وأجدني أن أصوم يا رسول الله أهون عليَّ من أن أؤخره فيكون دينًا، أفأصوم يا رسول الله أعظم لأجري أو أفطر؟ قال: أيُّ ذلك شئت يا حمزة".
ص: وذهب قوم أنه لا فضل لمن صام رمضان في السفر على مَنْ أفطر وقضاه بعد ذلك، وقالوا: ليس أحدهما أفضل من الآخر، واحتجوا في ذلك بتخيير النبي - عليه السلام - حمزة بن عمرو بين الإفطار في السفر والصوم، ولم يأمره بأحدهما دون الآخر.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: قتادة والأعمش وإسماعيل بن علية والشافعي في قول؛ فإنهم قالوا: المسافر في رمضان مخير بين الصوم والإفطار، ولا فضل للمفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر، والباقي ظاهر.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: الصوم في السفر في شهر رمضان أفضل من الإفطار.