وأخرجه البيهقي في "سننه"(١): من حديث مالك، عن سمي، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن بعض أصحاب رسول الله - عليه السلام -: "أن النبي - عليه السلام - أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال: تقووا لعدوكم، وصام النبي - عليه السلام -. قال أبو بكر: قال الذي حدثني: لقد رأيت النبي - عليه السلام - بالعَرْج يصب فوق رأسه الماء من العطش أو من الحر، فقيل: يا رسول الله إن طائفة من الناس صاموا حين صمت، فلما كان بالكديد دعى بقدح فشرب، فأفطر الناس".
ثم نتكلم في معاني الأحاديث المذكورة وما يستنبط منها من الأحكام:
الأول: فقوله: "عام الفتح" أي فتح مكة، كان في سنة تسع من الهجرة.
قوله:"حتى بلغ الكديد" بفتح الكاف وهي عين جارية، بها نخيل كثيرة، بينها وبين مكة اثنان وأربعون ميلًا، وفي رواية البخاري:"إن الكديد ما بين عُسفان وقديد"، وعُسفان: قرية جامعة بها منبر على ستة وثلاثين ميلًا من مكة؛ سميت بها لتعسف السيول فيها.
"وقُدَيد": بضم القاف وفتح الدال موضع قريب من عُسْفان فكأنها في الأصل تصغير قِدّ، قال القاضي: قال في رواية: "حتى بلغ الكديد"، وفي رواية:"حتى بلغ عُسفان"، وفي الأخرى:"حتى بلغ كراع الغميم" وهذا كله في سفر واحد في غزاة الفتح، وسميت هذه المواضع في هذه الأحاديث لتقاربها، وإن كانت عسفان متباعدة شيئًا عن هذه المواضع، فكلها مضافة إليها، ومن عملها، فاشتمل عليها اسمُها، وقد يكون أنه كلَّم الناس بحال الناس ومشقة ذلك عليهم، وكان فطرهم بالكديد، ويعضده ما جاء في حديث "الموطأ": "فقيل لرسول الله - عليه السلام -: إن ناسًا صاموا حين صمتَ. فلما كان بالكديد دعى بقدح فأفطر الناس".
و"الغميم": بفتح الغين المعجمة وادي أمام عسفان بثمانية أميال، يضاف إليها هذا الكراع، وهو جبل أسود متصل به.