للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجب الغيوب، فلا يقوم مع ضيائها ظلمة، ولا يثبت عند محكمها شبهة، ولا يقيم معها فى محمد صلى الله عليه وسلم شكّ، لا من أصحابه خاصّة، ولا ممّن جاء بعده عامّة، وإنما جعلها الله عز وجل آية باقية فى الغابرين، وحراسة ثابتة من الشياطين، لأن الله جلّ وعلا جعل نبيّنا صلى الله عليه وسلم آخر النبيين، فليس باعثا بعده نبيا يكذّب أقاويل الكهنة، ويقطع أخابير (١) الجّنة.

وستقول- فيما يذهب إليه الظنّ، ويقع عليه الرأى- أنت ومن عقل من أمتك وأهل ملتك، هذه آية حاسمة، وحجة قاطعة بيّنة قائمة، مستعلية لأمرها، مستغنية بنفسها لا تحتاج إلى ما قبلها، ولا يتّكل على ما بعدها، إن أقرّت العقول بما تقول، أو قامت البينة على ما تدّعى، بلى، ثم تقول: وأنّى لك بالبيّنة؟ ولسنا نقرّ بكتابك، ولا نؤمن برسولك، ولا نقبل قولك فيما قد سبقنا وإياك زمانه، وحجبت الغيوب عنا وعنك علمه، فأرجع إليكم إن قلتم ذلك، فإن وجدان القضاة قبل طلب البيّنات.

وليس يجعل أمير المؤمنين فيما ينازعك ويحاجّك فيه حاكما غير عقلك، ولا قاضيا سوى نفسك، ولكنه يذكّرك الله الذى إليه معادك، وعليه حسابك، لمّا (٢) جعلت التفهّم لمسألته من بالك، وركبت حدودها فى جوابك، عادلا بالقسط، قاضيا بالحق، قائلا يالصدق ولو على نفسك، ناظرا بالأثرة لدينك، فلقد وفق الله لك آية، وأهدى إليك بيّنة، لا تستطيع دفعها لحجبها عن عقلك، ولا حجابا لنورها دون بصرك، فلا تدفع الآية بقولك، والبيّنة بلسانك، جحدا يقطع وصول الحجج إليك، ولا تغلق (٣) أبواب الفهم عنك، فإن اللسان لك مداول حيث شئت، ومنقاد تصرّفه فيما هويت، ولكن انصب نفسك للفهم وأنت شهيد، وأرد الحق وقبوله فيما تريد،


(١) أخابير: جمع الجمع الخبر.
(٢) أى إلا.
(٣) فى الأصل «ويد تغلق» وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>