ومن عمل صالحا فهو مخلص في عمله, مستقبل بوجهه نحو
معبوده, صعد من الحضيض الإنسي إلى الأوج القدسي, واستحق
ما أعد له من الثواب في دار المآب.
وتحقيق ذلك: أن المقصود الأعظم من شرع الأعمال وإدآب
الجوارح: تمثل الملكات الفاضلة في النفس, وتمكن العقائد الحقة
فيها فإن العبادة تذكر المعبود, ويمكن ذكره تكررها والمواظبة
عليها, وتوجب للنفس صدقا في محبته وشوقا إلى قربه, وشغفا إلى
ما عند من نعائم العقبى وطرائقها, وزهدا في حطام الدنيا وزخارفها
ويشهد له قوله تعالى (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى
منكم) وقوله عليه السلام: " إن الله لا ينظر إلى صوركم
ولا إلى أموالكم, بل إلى قلوبكم ونياتكم " وقوله: " نية المؤمن خير
من عمله ونية الفاجر شر من عمله ".
والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي, ليحسن تطبيقه
بما بعده وتقسيمه بقوله: (فمن كانت هجرته) إلى آخره, فإنه تفصيل
لما أجمله, واستنباط للمقصود عما أصله إذ روي: أن رجالا هاجروا
شغفا بمهاجرات وطمعا في منح الأنصار فورد فيهم الحديث.