للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يجتمع قويهم بضعيفهم، وغنيهم بفقيرهم، وعالمهم بجاهلهم، فكان المحرومون من هذه المواهب يتلقونها، ويأخذونها ممن منَّ الله عليهم بها، من إخوانهم العلماء، والأقوياء، والأغنياء، والعقلاء.

ثانيًا: كان المسجد هو الجامعة العلمية التي تلقى فيها الدروس، وتعقد فيها الحلقات، فتجد علماء الشريعة وعلماء اللغة، وعلماء الاجتماع، وتجد الوعاظ والمرشدين والموجهين، فيخرج التلميذ من المسجد عالمًا تقيًّا زكيًّا، حمل العلم الشرعي، وتحلَّى بالسلوك الإِسلامي، فأخذ العلم، شريعة وحقيقة وطريقة.

ثالثًا: كانت تعقد في المسجد رايات الجهاد، ويُعيَّن فيه القوَّاد، وتُجهَّز الجيوش، وتتلقى أخبار الفتوح والانتصارات، فتبلغ المسلمين من أعواد منابر المساجد.

رابعًا: كان المسجد كل شيء في حياة المسلمين، ذلك أنَّ أساس حياتهم كانت قائمة على الدين، وكانت أمورهم تسير وفق أحكام الإِسلام، ولما فصلوا الإِسلام عن الحياة، وقصروه على العبادات، وأبعدوه عن مجال الحياة والسياسة، ضعف أمر المسجد وهان شأنه، واستخفَّ بمقامه، وصار لا يتمسك به إلاَّ الطبقة المحرومة من الجاه والمال، والثقافة العصرية، التي صار لها الشأن الأكبر في الأوساط العلمية، فهانوا وضعفوا.

فانصراف المسلمين عن المسجد، وبُعدهم عنه، واستخفافهم بأمره، وبعدهم عن القيام برسالته، والتخلي عن دوره -هو الذي حط من قدرهم، وهو الذي قلل من شأنهم، وهو الذي فرَّقهم فأضعفهم، فإذا كانوا يريدون العزة، وإذا كانوا يرجون السيادة، فليعيدوا إلى المسجد رسالته، وليهتموا بأمره، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها، والله من وراء القصد، وهو المستعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>