٤ - يستحب للمصلِّي ويتأكَّد عليه حضورُ قلبه في الصَّلاة، فلا يلهيه عن معانيها وأحوالها مُلْهٍ، بل يُفْرِغُ قلبه ويستجمعه، لاستحضار ما يقولُ فيها ويفعل؛ فقد جاء في البخاري (١١٩٩) ومسلم (٥٣٨) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ في الصلاةِ لَشُغْلاً".
٥ - قد يُظَنُّ أن بين هذا الحديث، وبين حديث "المسيء صلاته"، أنَّ بينهما تعارضًا؛ ذلك أنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أمر المسيء في صلاته أنْ يعيد الصلاة -ثلاث مرَّات- حتَّى أتى بها على الوجه الصحيح؛ أمَّا معاويةُ بن الحكم فلم يأمُرْهُ بالإعادة، مع أنَّه تكلَّمَ في الصَّلاة عمدًا.
ووجه الجمع بين الحديثَيْن من أحد وجوهٍ ثلاثةٍ:
أحدها: أنَّ المسيء في صلاته تَرَكَ ما هو واجبٌ في الصَّلاة، وأمَّا معاوية. فقد فَعَلَ مَا نُهِيَ عنه فيها، وَتَرْكُ المأمور أعظَمُ من فعل المحظورة ولذا فإنْ تارك المامور لا يُعْذَرُ بجهلٍ ولا نسيان؛ بخلاف فاعل المنهيِّ عنه: فهو معذور في حال الجهل والنسيان.
الثاني: أنَّ المسيء تَرَكَ ما تقَرَّرَ ثبوتُ أصله؛ بخلاف معاوية: فهو بانٍ أصل إباحة الكلام في الصلاة، ويدل على ذلك حديث زيد بن أرقم الآتي.
الثالث: جاء في حديث معاوية قوله: "إنِّي حديثُ عهدٍ بجاهليةٍ"، والشرائع لا تلزم المسلمَ إلاَّ بعد بلوغها إيَّاها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "الشرائعُ لا تَلْزَمُ إلاَّ بعد العِلْمِ بها، فلا يقضي ما لم يعلم وجوبها.
٦ - الصَّلاةَ أقيمتْ لذكر الله تعالى؛ كما قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (١٤)} [طه].
فالمصلِّي مشغولٌ فيها بذكر الله تعالى، ومتنقِّلٌ من قراءة كتاب الله إلى ذكر الله تعالى، بتسبيحه، وتعظيمه، وتمجيده، وتحميده، وتكبيره،