٣ - أنَّ الصحابة -رضي الله عنهم- ما كانوا يأتون إلى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيطلبون منه الدعاء، ويتوسلون بذاته وجاهه إلى الله تعالى؛ لعلمهم أنَّ دعاءه انقطع بوفاته -عليه الصلاة والسلام- أما التوسل بذاته أو جاهه فإنَّه ليس بمشروع، وما ليس بمشروع فهو بدعة.
لذا فإنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب والصحابة معه -رضي الله عنهم- طلبوا من العباس بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- أن يدعو الله تبارك وتعالى لهم بالسقي، وهم يؤمنون على دعائه، فهذا أمر جائز مشروع.
٤ - قال العباس في دعائه: اللهمَّ إنَّه لم ينزل بلاء إلاَّ بذنب، ولم يُكشف إلاَّ بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، قال: فأَرْخَتِ السَّماءُ مثل الجبال، حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس.
٥ - هذا الحديث مثار جدل بين المبتدعة الذين يرون جواز التوسل بذات المخلوق، وجاهه من الأحياء والأموات، وبين أهل السنة الذين يرون في هذا الحديث دليلاً صريحًا على أنَّ التوسل هو بالدعاء، وأنَّ التوسل بالذات والجاه غير جائز، ذلك أنه لو كان جائزًا، فإنَّ كرامة النبي -صلى الله عليه وسلم- عند ربه ورفعة مقامه ما نقصت بموته، بل هي باقية، فلماذا عدل الصحابة عن التوسل بذاته إلى طلب الدعاء من العباس؟.
والجواب: ما كان إلاَّ لأن طلب الدعاء من الميت -مهما عظمت منزلته- غير ممكن، فطلب ذلك من الحي القادر عليه، فهذا هو التوجيه الصحيح.
٦ - وبهذا ظهر ما يردده شيخ الإسلام في كتبه، من أن أي مبطل يحتج على باطله بدليل صحيح، يكون حجة عليه، لا حجة له.