وقال ابن القيم: لا يكره، فقد طلب أبو بكر من المغيرة أن يبشر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإسلام وفد ثقيف، وقد آثرتْ عائشة عمرَ بدفنه في بيتها، بجوار النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا سأل الرجل غيره أن يؤثره في مقامه في الصف الأول -لم يكره له السؤال، ولا ذلك البذل.
الفائدة الثانية: قال الشيخ تقي الدين: وما يفعله كثير من الناس، من تقديم مفارش ونحوها إلى المسجد يوم الجمعة قبل صلاتهم، فهذا منهيٌّ عنه، بل محرَّمٌ باتفاق المسلمين، وهل تصح الصلاة في ذلك المفروش؟ فيه قولان للعلماء؛ لأنَّه غَصَبَ بقعةً في المسجد.
الفائدة الثالثة: الحديث يشير إلى مسألةٍ هامةٍ، افترق فيها طائفتان ضالتان، وهدى الله تعالى إليها الفرقة الناجية:"أهل السنة والجماعة".
الطائفة الأولى: هي "القدرية" وهم نفاة القدر، فقد نفوا القدر من عموم خلق الله تعالى، ومشيئته وإرادته؛ زاعمين أن إثبات ذلك لله تعالى يبطل مسؤولية العبد عن فعله، ويلغي التكاليف التي حُمِّل بها، وأُنيطت به، ويخصصون النصوص الدالة على عموم الخلق، والمشيئة بما عدا أفعال العباد، وأثبتوا أنَّ العبد خالق فعله بقدرته وإرادته، وبهذا أثبتوا خالقَيْن، فاستحقوا أن يسموا: مجوس هذه الأمة: لأنَّ المجوس يزعمون أنَّ الشيطان يخلق الشر، وأن خالق الخير هو الله.
الطائفة الثانية:"الجبرية"، وهؤلاء غلوا في إثبات القدر، حتى أنكروا أن يكون للعبد فعلٌ حقيقةً، وإنما الأفعال تُسْند إليه مجازًا، فيقال: صلى، وصام، وزنى، وسرق، مجازًا لا حقيقةً، وإنما هو كالريشة في مهب الريح.
وهذا -في زعمهم- تحقيق أنه لا مقدر في الحقيقة إلاَّ الله وحده، وأنَّ الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على سبيل المجاز.