للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان حربياً ففي الكتاب إشعار بأنه لا يجب تكفينه ولا دفنه بلا خلاف؛ لأنه ألحق الذِّمي به في الوجه الثاني، لكن صاحب "التهذيب" فرق بين الأمرين، فقال: لا يجب تكفينه؛ لأن النّبي "أَمَرَ بِإلْقَاءِ قَتْلَى بَدْرِ فِي الْقَلِيبِ عَلَى هَيْئَاتِهِمْ" (١). وفي وجوب موارته وجهان:

أحدهما: يجب؛ لأن النَّبِي أمر بها في قَتْلَى بدر (٢).

والثاني: لا يجب بل يجوز إغْراء الكلاب عليه فإن فعل فذاك، لئلا يتأذَّى الناس برائحته وكذلك حكم المرتد. إذا عرفت ذلك فلو اختلط موتى المسلمين بموتى المشركين ولم يتميزوا بأن انهدم عليهم سقف مثلاً وجب غسل جميعهم والصلاة عليهم. وبه قال مالك وأحمد ثم إن صلّى عليهم دفعه جاز، ويقصد المسلمين منهم بنيته، وإن صلّى عليهم واحداً واحداً جاز أيضاً وينوي الصلاة عليه إن كان مسلماً، ويقول: "اللهم اغفر له إن كان مسلماً"، وعند أبي حنيفة -رحمه الله- لا يصلّى عليهم إلاَّ أن يكون المسلمون أكثر. لنا أن الصَّلاة على المسلمين واجبة بالنُّصوص ولا سبيل إلى إقامة الواجب هاهنا إلا بهذا الطريق.

قال الغزالي: وأَمَّا الشَّهِيدُ فلاَ يُغَسَّلُ (ح) وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، والشَّهِيدُ مَنْ مَاتَ بِسَببِ القِتَالِ مَعَ الكُفَّار فِي وَقْتِ قِيَامِ القِتَالِ فَإِنْ كانَ فِي قِتَالِ أَهْلِ البَغْي أَوْ مَات حَتْفَ أَنْفِهِ فِي قِتَالِ الكُفَّارِ أَوْ قَتَلَهُ الحَرْبيُّ اغْتِيَالاً مِنْ غيْرِ قِتَالٍ أو جرحٍ فِي القِتَالِ وَمَاتَ بَعْدَ انْفِصَالِ القِتَالِ وَكَانَ بحَيْثُ يُقْطَع بِمَوْتهِ فَفِي الكُلِّ قَوْلاَنِ مَنْشَؤُهُمَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّ هَذِهِ الأَوْصَافَ هَلْ هِيَ مُؤَثِّرَةٌ أَمْ لاَ؟ أَمَّا القَتِيلُ ظُلْمًا مِنْ مُسْلِم أَوْ ذِمِّيِّ أَوْ بَاغ أَوِ المَبْطُونُ أَو الغَرِيبُ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ.

قال الرافعي: القيد الثَّالث لمن يصلى عليه ألا يكون شهيداً، فالشهيد لا يصلى عليه ولا يغسل أيضاً، وبه قال مالك خلافاً لأبي حنيفة في الصّلاة، وبه قال أحمد في رواية واختاره المزني. لنا أن جابراً وأنساً -رضي الله عنهما- رويا: أن النّبي "لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، وَلَمْ يُغَسِّلهُمْ" (٣). ولا فرق بين الرَّجُل والمرأة والحُرِّ والعبد والبالغ والصبي. وعند أبي حنيفة الصبي كسائر الموتي يغسل، ثم ما المعنى بقولنا: "لا يغسل ولا يصلى عليه"، يعني به: أنهما لا يجبان، أو يحرمان. وأما الصلاة ففي "النهاية" و"التهذيب" ذكر وجهين في جوازها:


(١) أخرجه مسلم من حديث أنس (٢٨٧٤).
(٢) قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (٢/ ١١٥) أخرجه الحاكم من حديث يعلى بن مرة.
(٣) أخرجه البخاري (٤٠٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>