عنده لزمه أقصى القِيَم، لأنه مخاطب في كل حالة بالرَّدِّ، فإذا لم يرد التزم قيمة أكمل الأحوال، وإن قَضَاهَاَ في الحضر أطرد الطريقان، والمنع هاهنا أوضح وأصحّ، ورتب في "النهاية" بعض الصور الثَّلاث على بعض، فحكى قولين فيما إذا قضى في ذلك السَّفَرِ وفيما إذا قضَى في الْحَضَرِ قولين مُرَتَّبَيْنِ عليهما، وأولى بالمَنْعِ، وجعل الصُّورة الثَّالِثة متوسطة بينهما إن رتبت على الأولى فهي أولى بالمنع، وإن رتبت على الثانية فهي أولى بالجواز؛ وإذا اختصرت وتركت التفصيل قلت: في المسألة أقوالٌ كما ذكر في الكتاب:
أحدها -وهو القديم-: الجواز على الإطلاق، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وثانيها -وهو الجديد-: المنع على الإطلاق، وبه قال أحمد.
وأظهرها -ويحكى عن "الإملاء" الفرق بين أن يقضي في الحضر وفي السفر، وهذا إذا طَرَدنا القولين في القضاء في تلك السفرة، وفي سفرة أخرى، وإن فَرَّقْنَا صَارَتْ الأقوالُ أربعةً.
واعلم قوله:(يفرق في الثالث) بالحاء والميم؛ لما ذكرنا من مذهبهما، ونقل في "الوسيط" أن مذهب المزني الجواز على الإطلاق أيضاً، لكن روى الصَّيْدَلاَنِي وغيره عنه المنع فيما إذا قضى في الحضر، وهذا هو الصحيح، وقياس مذهبه المشهور في عكسه وهو ما إذا فاتته في الحضر، فيقضي في السَّفَرِ، كما تقدّم، وإذا قلنا فائتة السفر لا تقصر، وإن قضيت في تلك السفرة، فلو شرع في الصَّلاَةِ بنية القَصْرِ، فخرج الوقت في أثنائها فهو مبني على أن الصلاة التي يقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه قضاء أم داء؟ وقد قدمنا ذلك في "باب المواقيت" وتعرضنا لهذه الصور فيه، وظاهر المذهب أنه إن وقع في الوقت ركعة فهي أداء فيقصر على هذا القول أيضاً، وإن وقع دون ركعة فلا يقصر على هذا القول؛ لأنها قضاء، وعن صاحب "التلخيص" أنه يجب الإتمام، وإن وقع في الوقت ركعة كالجمعة، إذا وقع: بعضها خارج والوقت يتمها أربعاً.
قال الرافعي: إذا سافر في أثناء الوقت، وقد مضى منه قدراً يتمكن من فعل الصَّلاة فيه، فالنَّصُّ أنه يجوز له القصر، ونَصَّ فيما لو أدركت من أول الوقت قدر الإمكان، ثم حَاضَت يلزمها القضاء، وكذلك سائر أصحاب العذر، واختلفوا في المسألتين على طريقين: