للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كان الرجل ينتقل من بلدة إلى بلدة من غير غَرَضٍ صحيح، فقد قال في "النهاية": إنه لا يترخص وإن خرج عن مضاهاة من يهيم وظهر له قصد (١)، ونقل عن الشَّيْخِ أبي محمد: أن السفر لمجرد رؤية البلاد، والنظر إليها ليس من الأغراض الصحيحة.

قال الغزالي: النَّظَرُ الثَّانِي، فِي مَحَلِّ القَصْر، وَهُوَ كُلُّ صَلاَةٍ رُبَاعِيَّةٍ مُؤَدَّاةٍ فِي السَّفَرِ، فَلاَ قَصْرَ فِي الصُّبْح وَالمَغْرِب، وَلاَ فِي فَوَائِتِ الحَضَرِ، وَفِي فَوَائِتِ السَّفَرِ ثَلاَثةُ أَقْوَالٍ: يُفَرّقُ فِي الثَّالِثِ بين أن يَقْضِيَ فِي الحَضَرِ أَوِ السَّفَر.

قال الرافعي: محل القصر كل صلاة رباعية مؤداة في السَّفَرِ، وذكر في "الوسيط" قيداً آخر، وهو أن يدرك وقتها في السفر للمسألة التي تأتي بعد هذا الفصل، فيخرج من الرباعية المغرب والصُّبْحُ فلا قصر فيهما بالإجماع، ويخرج عن المؤداة في السَّفر المقضيَّة، وينظر فيها إن كانت فائتة الحضر فلا يجوز للمسافر قصرها، خلافاً للمزني حيث قال: يجوز؛ اعتباراً بحال القضاء، كما لو ترك صلاة في الصَّحَّةِ له قضاؤها في المَرَضِ قَاعِداً.

لنا إنه لزمته الأربع، فلا يجوز النقصان كما لو لم يسافر، ويفارق صلاة المريض؛ لأن المرض حالة ضرورة، فيحتمل ما لا يحتمل للسَّفر ألا يرى أنه لو شَرَع في الصلاة قائماً، ثم طرأ المرض له أن يقعد، ولو شرع فيها في الحضر [ثم سارت] (٢) به السفينة، لم يكن له أن يقصر، وإن تردد أنها فائتة السَّفر أو الحَضَر فكذلك لا يجوز له قَصْرُهَا، وأما فائتة السَّفَرِ فإما أن يقضيها في السفر أو في الحضر، فإن قضى في السَّفر، فإما أن يقضي في تلك السفرة أو في سفرة أخرى، فإن قضى في تلك السفرة ففيه قولان:

أحدهما: أنه لا يجوز القصر؛ لأن شرط الرَّدِّ إلى ركعتين الوقت بدليل الجمعة.

والثاني: يجوز؛ لأن اللاَّزِمَ عليه ركعتان، فيجزئه في الْقَضَاءِ ركعتين، وجعل صاحب "التهذيب" و"التتمة" المنع أصح القولين، لكن ما عليه الأكثرون من العراقيين وغيرهم أن الأصح هو الجواز؛ لبقاء العذر المرخص، وأما إذا قَضَى في سَفَرِهِ أخرى، ففيه طريقان:

أظهرهما: طرد القولين.

والثاني: القطع بالمنع، والفرق أن الأمر بالقضاء متوجه عليه في كل حالة، فإذا لم يقض وقد تخللت حالة إقامة فكأنها تركها في تلك الحالة كما لو نَصَبَ شيئاً، وتلف


(١) في ط قصد.
(٢) في ط (سارت).

<<  <  ج: ص:  >  >>