للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاسم اللحم يقع على المأكول شرعًا، كما أن البيع والنكاح يقعان على المشروع.

ورجَّح الشيخ أبو حامد والرويانيُّ الثاني، والقفالُ وغيره -رحمهم الله- الأوَّل (١).

ولا يحنث بأكل السمك، خلافًا لمالك وأحمد -رحمهما الله-.

وفي "البيان": أن بعض أصحابنا الخراسانيين قال به، ووجه ظاهر المذهب بأن السَّمَك لا يُفْهَمُ من إطلاق لفظ اللحم، ولا يُسْتَعْمَلُ فيه في العرف، وإن سماه الله تعالَى لحمًا بقوله: {تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: ١٢] وشبه ذلك بما إِذا حلف لا يجلس في ضوء السراج، فجلس في ضوء الشمس، لا يحنث وإن سماها الله تعالَى سراجًا، فقال: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} [النبأ: ١٣] وبما إذا حلف: لا يعلق على وتد، فعلق على جبل، لا يحنث، وإن قال الله تعالَى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: ٧] أو حلف: لا يجلس على بساط، فجلس على الأرض، لا يحنث، وإن قال الله تعالَى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا} [نوح: ١٩] وهل يتناول اللحم الألْيَةَ؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأنه نابت في اللحم، قريب من اللحم السمين.

وأصحُّهما: المنع؛ لمخالفته اللحم اسمًا وصفةً ولو حلف على الشحم، فوجهان أيضًا في تناول الألْيَةِ:

أحدهما: نعم؛ لأنها تذوب كالشحم.

وأصحُّهما: المنع؛ لمخالفته اللحم اسمًا وصفةً، فعلى الظاهر، وليست الألية بلحم ولا شحم وسنام الإِبل كالألية، ولو حلف على الألية، لم يحنث بأكل السنام، وكذا بالعكس؛ ولو حلف على الدسم، تناول شحم الظهر والبطن والألية والسنام والأدهان كلها، وهل يتناول اللحمُ الأمعاءَ والطِّحَالَ والكرش والكبد والرئة، حتى يحنث بأكلها، وإذا حلف ألا يأكل اللحم؟ فيه وجهان:

أصحُّهما: لا، وهو المذكور في الكتاب.

والثاني: نعم؛ لأنها في حكم اللحم، وقد تُقام مقامه، وبه قال أبو حنيفة، ومنهم من قطع بالأول، ونفي الخلاف، وفي القلب وَجْهَان مذكوران في الكتاب:

أصحُّهما: أنه لا يحنث أيضًا.

والثاني: يحنث، ووجه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ... " (٢) الحديث، والمضغةُ: القطعة من اللحم.


(١) قال النووي: المنع أقوى.
(٢) متفق عليه أخرجه البخاري [٥٢ - ٢٠٥١]، ومسلم [١٥٩٩] من حديث النعمان بن بشير.

<<  <  ج: ص:  >  >>