للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقوله: والذي أعبده أو أسْجُدُ له أو أصلِّي له، أو الذي فالِقِ الحبة، أو نفْسِي بيده، أو مقلب القلوب، ينعقد يمينه، سواءٌ أطلق، وقصد البارئ تعالى أو غيره، وإذا قال: قصدت غيره، لم يقبل ظاهرًا، وكذا لا يُقْبل فيما بينه وبين الله تعالَى على المشهور، وذُكِر فيه وجهٌ ضعيفٌ.

وأما القسم الثاني: وهو الحَلِفُ بالأسماء، ثلاثة أنواع:

أحدها: ما يختص بالله تعالَى، ولا يُطْلقُ في حق غيره، كالله والإِلَهِ، والرَّحْمن، وربِّ العالمين، ومالك يوم الدين، وخالِقِ الخلْقِ، والحيِّ الذي لا يموت، والأولِ الذي ليس قبله شيءٌ، والواحدِ الذي ليس كمثله شيْء، فحكْمُ الحِلفِ به حكْمُ الحلف بالقِسْم الأول، وفي كتاب القاضي ابن كج: أن الحلف بالأسماء ليس بصريح إلاَّ باسم واحد، وهو الله، وهذا غريبٌ، ومحمد الإِمام -رحمه الله- الخالق، والرازق من هذا النوع، ألحقهما الأكثرون بالرحيم وسائر ما يذكر في النوع الثاني؛ لأنهما يُطْلَقَان في حق غير الله تعالَى، يُقال: فلان خالق الكَذِب، وقال تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: ١٧] ورازق الجيش وقال تعالَى: {وَارْزُقُوهُمْ} [النساء: ٥] وصاحب الكتاب اتبع فيه الإِمام، فليعلم الاسمان بالواو، وليعرفِ الحال فيهما.

والنوعُ الثاني: ما يُطلق في حقِّ الله تعالَى، وفي حق غَيْره، لكنَّ الغالبَ استعمالُه في حقِّ الله تعالَى، وأن يقيد في حق غيره بضَرْبٍ من التقييد، كالرحيم، والجهار، والحق، والرب، والمتكبر، والقادر، والقاهر فإنْ حلف باسم منها وأطلق وأراد به الله تعالَى، فهو يمين، وإن أراد به غيره، لم يكن يمينًا؛ لأنه قد يُسْتعملُ في حقِّ غيره، فيُقال: فلانٌ رحيمُ القلب، وجبَّارٌ، ورب إبل، ومتكبرٌ وقادرٌ على هذا، وقاهر لفلان، ويجوز أن يعلَم قولُه و"الرحيم" بالواو؛ لأن القاضي ابنْ كَج كأنه جعله كالرحمن، وعدَّه في النوع الأول، وكذلك حكاه القاضي الرويانيُّ عن القاضي الطبري، وغلط فيه.

وأن يعلم قوله "فهو كناية" لأن ابنَ كج رَوَى عن بعض التصانيف أن الحلِفَ بأي اسم كان من الأسماء التسْعة والتسعين التي ورد بها الخَبَرُ لا فرق بين بعضها وبعض.

والنوع الثالث: ما يطلق في حق الله تعالَى وفي حق غيره، ولا يَغْلِبُ استعمالُه في أحد الطرفين كالشيء، والموجود، والمؤمْن، والكريم (١) وما أشبهها، فلا يكون يمينًا، إن نوى به غير الله تعالَى، أو أطلق، فإن نوى الله تعالَى، فالذي أورده صاحبا "التهذيب"


(١) الألف واللام في هذه الصفات ونحوها ليست للعموم ولا للعهد بل للكمال. قال سيبويه: تكون لام التعريف للكمال تقول زيد الرجل تريد الكامل في الرجولية وكذا هي في أسماء الله تعالى، فإذا قلت الرحمن أي الكامل في الرحمة وكذا تتمة الأسماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>