للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الأشبه بالمذهب حلّه؛ لضعف نابه، لكن الذي رجِّحه أبو علي الطبريُّ وصاحبُ "التهذيبِ" والرويانىّ: المَنْعُ؛ لأن رائحتَه كريهةٌ، ويتناول الميتة كالذئب؛ ولأن العرب تستخبثه، وهذا ما حَكَى الإِمام عن المراوزة القطْعَ به، وفي "الحاوي" بناء الخلاف على أن تحريم ذي الناب، بم يتعلَّق؟ فعلى تعليل الشافعيِّ -رضي الله عنه- يَحِلُّ؛ لأنه لا يتقوى، ولا يعدو ابتداءً، وعلى تعليل أبي إسحاق، لا يحلُّ، وفي "التهذيب" إجراء الخلاف في الوَبْر (١) والدُّلْدُل (٢)، والظاهر المنسوب إلى النَّصِّ أنه حلالٌ، وعليه يتفرَّع تعلُّق الجزاء به على ما سبق في الحجِّ، وبينا هناك أن الوَبْر ما هو، ويُقال: إن هذه الدابة أنبلُ من ابن عِرْس، وأما الدُّلْدُل؛ وهو في حد السخلة، ويُقال: إنه عظيم القنافذ، وعن الشيخ أبي حامد (٣): أنه كان يقطع بتحريمه، ويُلْحِقه بالخبائث، قال الإِمام: ولست أعرف فيه أصلاً يُرجع إليه والهِرَّة الإِنْسِيَّةُ محرَّمة؛ لأنها تعدو وتعيش بنابها، وقد ورد في الخبر؛ أنها سَبْعٌ (٤) واختار أبو عبد الله البوشنجي لنفسه مذهبَ مالكٍ وهو حلُّها، وفي الوحشيَّة وجهان:

أحدُهما: وبِه قال الخُضَرِيُّ: تَحِلُّ، كما يَحِلُّ الحمارُ الوحشيُّ.

وأصحهما: المنْعُ؛ لأنها تعدو بنابها، وهي في اللون والصورة والطبع كالإِنسية؛ ألا ترى أنها تتلون بألوان مختلفة، وتستأنس بالناس؛ كالأهلية بخلاف الحِمار الوحشي مع الإِنسيِّ، قال الإِمام: وقد يُظَنُّ أن الهِرَرَ الوحشيات هي الإنسيات؛ تستوحش عنْد جلاءَ أهل القرَى، وفي السِّنَوْر (٥) والسِّنْجَاب (٦) والفَنَك (٧) والقماقم (٨) والحَواصِل


= قال القزويني أنه حيوان وحشي عدّو الحمام إذا دخل البرج لا يترك فيه واحداً وتنقطع الثعابين عند صوته.
وفي رحلة ابن الصلاح عن كتاب لوامع الدلائل في زوايا المسائل للكيا الهراسي أنه قال يجوز أكل الفنك والسنجاب والدلق والقاقم والحوصل والزرافة كالثعلب ثم إن ابن الصلاح كتب بخطه الدلق النمس فاستفدنا من هذا حل النمس والزرافة ينظر حياة الحيوان ١/ ٣٠٧.
(١) وَالْوَبرُ: دُوَيَبَّةً عَلَى قَدْرِ السَّنَّوْرِ، مِثْلُ الْجُرَذِ إِلاَّ أَنَّهُ أَنْبَلُ وَأَكّثَرُ طَحْلاَءُ اللَّوْنِ، وَهِيَ كَحْلاَءُ نَجْلاَءُ، مِنْ جِنْسِ بَنَاتٍ عِرْسَ، لَيْسَ لَهَا ذَنَبٌ ينظر: النظم ١/ ٢٢٤.
(٢) حيوان شائك قارض، من آكلات الحشرات، وهو نوع من القنافذ ينظر: المعجم الوسيط ١/ ٢٩٢.
(٣) في أ: محمد.
(٤) تقدم في باب النجاسات.
(٥) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ النُّونِ، وَهُوَ الْهِرُّ، وَسُمِّيَت الهِرِّةُ؛ لِصَوْتِهَا عِنْدَمَا تَكْرَهُ الشَّيْءَ، يُقَالُ: هَرَّ الْكَلْبُ وَغَيْرُهُ، وَقدْ فُسَّر فِي ليْلَةِ الْهَرِيرِ، وَحَقِيقَتُهُ: الصَّوْتُ المَكْرُوهُ. فعْلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ ينظر: النظم ١/ ٢٢٣.
(٦) حيوان على حدّ اليربوع أكبر من الفأر وشعره في غاية النعومة يتخذ من جلده الفراء يلبسه المتنعمون وهو شديد الحيل إذا أبصر الإِنسان صعد الشجرة العالية وفيها يأوي ومنها يأكل وحكمه حلّ الأكل لأنه من الطيبات وقال بتحريم أكله القاضي من الحنابلة وعلله بأنه ينهش الحيات فأشبه الجرذ واستدل الجمهور بأنه يشبه اليربوع ومتى تردّد بين الإباحة والتحريم غلبت الإِباحة لأنها الأصل وإذا ذكى السنجاب ذكاة شرعية جاز لبس فرائه وان خنق ثم دبغ جلده لم يطهر شعره على الأصح كسائر جلود الميتة لأن الشعر لا يتأثر بالدباغ وقيل يطهر الشعر تبعاً للجلد وهي رواية الربيع الجيزيّ عن الشافعيّ ولم ينقل عنه في المهذب سوى هذه المسئلة وهذا الوجه صححه الأستاذ أبو إسحاق الإِسفراييني والرويانيّ وابن أبي عصرون واختاره السبكيّ وغيره لأن الصحابة قسموا في زمن عمر رضي الله تعالى عنه الفراء المغنومة من الفرس وهي ذبائح مجوس وفي صحيح مسلم من حديث أبي الخير مرثد بن عبد الله البرنيّ قال رأيت علي بن وعلة السبائيّ فرواً فمسته فقال مالك تمسه قد سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قلت له إنا نكون بالمغرب ومعنا البربر والمجوس فيؤتى بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل ذبائحهم ويأتون بالسقاء فيجعلون فيه الودك فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد سألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال دباغه طهوره.
(٧) دويبة يؤخذ منها الفرو قال ابن البيطار أنه أطيب من جميع الفراء.
يجلب كثيراً من بلاد الصقالبة ويشبه أن يكون في لحمه حلاوة وهو أبرد من السمور واعدل وأحرّ من السنجاب يصلح لأَصحاب الأمزجة المعتدلة (وحكمه) يحل أكله لأنه من الطيبات ونقل الإِمام أبو عمر بن عبد البرّ في التمهيد عن أبي يوسف أنه قال في الفنك والسنجاب والسمور كل ذلك سبع مثل الثعلب وابن عرس ينظر: حياة الحيوان ٢/ ٢٦٥.
(٨) صغار القردان وضرب من القمل شديد التشبث بأصول الشعر الواحدة قمقامة ينظر: حياة الحيوان ٢/ ٣١٢

<<  <  ج: ص:  >  >>