للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول في صفة الستر:

المسألة الثانية: في كيفية الستر، قال الأصحاب: الستر يرعى من الجوانب، ومن فوق ولا يرعى من أسفل الإزار والذيل، حتى لو صلى في قميص متسع الذيل جاز، وإن كان على طرف سطح يرى عورته من نظر من الأسفل؛ [لأن الستر إنما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها، والعادة لم تجر بالنظر من أسفل] (١) وتوقف إمام الحرمين، وصاحب "المعتمد" في سورة الواقف على طرف السطح؛ [لأن الستر من الأسفل إنما لا يراعى إذا كان على وجه الأرض، فإن التطلع من تحت الإزار لا يمكن إلا بحيلة وتعب، أما إذا كان على طرف السطح] (٢) [فالأعين] (٣) تبتدر إدراك السَّوْءَة، فليمتنع ذلك، ولو صلَّى في قميص واسع الجيب ترى عورته من الأعلى في حال من أحوال الصلاة إما في الركوع والسجود، أو غيرهما، لم تصح الصلاة لما روي عن سلمة بن الأكوع قال: "قلت يا رسول الله إني رجل أسيد أفأصلي في القميص الواحد؟ قال: "نَعَمْ، وَأزْرُرْهُ وَلَو بِشَوْكَةٍ" (٤).

وطريقه عند سعة الجيب أن يزره كما أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- أو يشد وسطه بخيط، أو يشتد موضع الجيب بشيء يلقيه على عاتقه، أو ما أشبه ذلك، وكذا لو لم يكن واسع الجيب، لكن كان على صدر القميص، أو ظهره خرق تبدو منها العورة، فلا بد من شيء مما ذكرناه، ولو كان القميص بحيث يرى من سعة جيبه شيئاً من العورة عند الركوع والسجود لكن منع منها لحيته، أو شعر رأسه، ففيه وجهان:

أحدهما: لا تجزئه صلاته؛ لأن الساتر لا بد وأن يكون غير المستتر، فلا يجوز أن يكون بعضه لباساً له، وهذا ما ذكره القاضي ابن كج، والروياني.

وأصحهما: أنه يجوز لحصول مقصود الستر كما لو ستره بمنديل، وكما لو كان على إزاره ثقبة فجمع عليها الثوب بيده، ولو ستر باليد الثقبة ففيه الوجهان، ولا يخفى أن الكلام فيما إذا لم تمس السوءة، ولو كان القميص بحيث تظهر منه العورة عند الركوع، ولا مانع وكان لا يظهر شيء منها في القيام فهل تنعقد صلاته ثم إذا انحنى بطل، أو لا تنعقد أصلاً؟ قال إمام الحرمين: فيه هذان الوجهان؛ لأن سبب عدم التكشف التصاق صدره في القيام بموضع إزاره.

وتظهر فائدة الخلاف فيما لو اقتدى به غيره قبل الركوع، وفيما لو ألقى ثوباً على


(١)، (٢) سقط في "ب".
(٣) في "ب" فالعين.
(٤) أخرجه الشافعي (١٧٠)، وأبو داود (٦٣٢)، والنسائي (٢/ ٧٠)، وأحمد (٤/ ٤٩، ٥٤)، وابن خزيمة (٧٧٧) (٧٧٨)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (١/ ٣٨٠)، والطبراني في الكبير (٦٢٧٩)، والحاكم (١/ ٢٥٠)، وأخرجه البخاري معلقاً، انظر تعليق التعليق (٢/ ٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>