للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الخلاف في الوقوع باطناً وأنه لا خِلاَف في أنَّها تُطلَّق ظاهراً، هذا هو الترتيب المشهور، وهو الَّذي ذكره ابن الحدَّاد وقال الإِمام لو قيل تُطلَّق حفْصة ظاهراً بلا خلاف، وفي عمرة وجهان؛ لأنَّها المقصود بالطلاق، لكان محتملاً، وهذا ما أورده صاحب الكتاب، وترك الطريقة المشهورة، ويجوز أن يعلَّم قوله: "طُلِّقَت حفصة" بالواو، وكذا لفظ التردُّد في قوله: "وفي عَمْرَةَ تَردُّد"؛ لأنها لا تطلَّق جزماً على المشهور، وقوله: "ويُحْتَمَل أن يقَعَ عليها أيْضاً" حشْو؛ فإن التردُّد يعرف بالاحتمال، فلو قال: علمت أن التي أجابتني حفْصة دون عمرة الَّتي نادْيتُها، وهذه الحالة غير مذكورةٍ في الكتاب، فيُسْأَل عن التي قَصَدها بالطَّلاق، فإن قال قصدتُّ طلاق حفْصة المواجهة، دون عمرة الَّتي ناديتها، قُبِل قولُه، لاحتماله، وطلقت فطُلِّقَتْ حفصة دون عمرة؛ لأنه ربَّما ناداها لشُغْل آخر، فلما أجابتْه حفصة شغَلَهُ طلاقها عن جَوَاب عمْرة، وبتقدير أن يكون نداؤها للطَّلاق، فقد يَبْدُو له ألاَّ يطلِّقَها ويُطلِّق حفْصَة.

ولو قال: قصَدتُّ طلاق عمْرة دون حفصة المجيبةِ فتُطلَّق عمرة ظاهراً وباطناً؛ لأنَّه سمَّاها في النِّداء وأقر بأنه خاطبها، وأوقع الطلاق عليها، وتطلَّق حفْصَة في الظَّاهر أيضاً؛ لأنَّه واجهها بالطَّلاق، ولا يُقْبل قوله في دَفْعه عنْها ظاهراً، ولكن بُدَيَّن، وعن الشيخ أبي حامد وغيره وجْه آخر: أن حفْصَة لا تُطلَّق؛ لأن عنده الَّتي يخاطبها عمرة، ورأى الإِمام في هذه الحالة تفصيلاً فقال: إن جَرَى الزوج في كلامه، فَبَانَ بالأداء والإِيراد، أنَّه مسترسل في الكلام، وغير منتظر جواباً، ثم قال: أردتُّ عمرة، فلا تُطلَّق إلا عمْرة، وإن بأن بالأداء انتظارُهُ الجواب، فاتَّصل جواب حفْصة وربْط به قوله: أنتِ طالقٌ، فتُطلَّق حفْصة، ولا يظهر طلاق عمْرة، والحالة هذه، لكن إذا قال أردتها: يؤاخذ بقوله وتأثير الأداء والنغمة قد سَبَق نظيره، ولو كان النِّداء والجوابُ كما سَبَق، وقال بعد جواب حفصة: زينبُ طالِقٌ لامرأةٍ له ثالثةٍ، طُلِّقت هي، ولم تُطلَّق عمْرة ولا حفصة، ولو قال: أنتِ وزينب طالقان، فتطلَّق زينب لا محالة، ثم يُرَاجع، فإن قال: ظننتُ أن المجيبة عمْرة، لم تُطلَّق هي، وتُطلَّق حفْصة في أصحَّ الوجهين، وإن قال عَرَفْت أن المجيبة حفْصة، وقصَدت طلاقها، طُلِّقت هي، ولم تُطلَّق عمرة، ولو قال: قصدتُّ طلاق عمرة، طُلِّقَت عمرة ظاهراً وباطناً، وحفصة ظاهراً، على الجواب الظاهر، واعْلَم أن المسألة ليست من التعليقات في شيْء [لكن التزام ترتيب الكتاب اقتضى جعلها ههنا].

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَإِذَا قَالَ العَبْدُ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ مَاتَ سَيِّدِي فَأنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ وَقَالَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: إِنْ مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ تُحَرَّمْ بِالطَّلْقَتَيْنِ لِمُقَارَنَةِ العِتْقِ، وَقِيلَ: تُحَرَّمُ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلاَقَ زَوْجَتِهِ المَمْلُوكَةِ لأَبِيهِ عَلَى مَوْتِ أَبِيهِ لَمْ يَنْفُذ لأَنَّهُ وَقتُ انْفِسَاخِ النِّكَاحِ بِالمِلْكِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَنْفُذُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>